«اضطراب ما بعد الصدمة» لدى الأطفال

يعاني معظم الأطفال، في الأغلب، من التعرض لصدمات مختلفة شديدة القسوة والألم، سواء على المستوى الحسي مثل التعرض للضرب المبرح أو الاعتداء الجنسي، أو الإصابة بمرض خطير ومزمن مثل بعض الأورام، أو لصدمات على المستوى النفسي مثل فقدان عزيز أو مشاهدة عنف مفرط، كما في الحروب والكوارث الطبيعية مثل الزلازل والأوبئة، أو التعرض للتنمر والترهيب.
وتختلف درجة تفاعل الأطفال مع هذه الأزمات باختلاف الظروف واختلاف طبيعتهم الشخصية. وهناك نسبة تتراوح بين 1 و15 في المائة من هؤلاء الأطفال تعاني من أعراض نفسية مختلفة تعقب التعرض لهذه الصدمات فيما يعرف باضطراب ما بعد الكرب (الصدمة) post – traumatic stress.
– أعراض متواصلة
ويوضح الباحثون أن مجرد وجود الأعراض النفسية الناتجة عن مثل هذه الكوارث من اكتئاب وقلق لا يعدّ مرضاً في حد ذاته، إلا إذا تجاوزت مدة الأعراض فترة معينة واستمرت شهوراً طويلة، لأن الألم النفسي يعدّ رد فعل طبيعياً في حالة التعرض للأزمات المختلفة.
وعلى سبيل المثال، فإن إصابة أطفال اللاجئين بالمخاوف وعدم الارتياح والتعرض لكوابيس ونوبات بكاء بعد أن يصبحوا في بيوت آمنة مع ذويهم بعد انقضاء وقت عصيب في المخيمات يكون مفهوماً ومنطقياً تماماً في الأيام القليلة التالية، لحدوث الصدمة، ويمكن أن يستمر لفترة ربما تصل إلى 4 أسابيع كاملة أو أكثر. ولكن استمرار الفزع والتوتر والقلق لعدة شهور يصبح عرضاً مرضياً، يجب أن يستدعي العلاج، لأنه يعدّ خللاً في التعافي من الأزمة disorder of recovery.
وفي الأغلب يكون اضطراب ما بعد الصدمة مصحوباً بالاكتئاب ويؤدي إلى إدمان المواد المخدرة بالنسبة للمراهقين، ويجب على الآباء أن يراعوا جيداً أن فترة ما بعد الأزمة فترة حرجة ويختلف فيها سلوك الطفل ويمكن أن يصبح أكثر عدوانية، أو على النقيض يصبح مسلوب الإرادة تماماً، ويعاني من الحزن وصعوبات في النوم ويريد اهتماماً أكثر من الطبيعي. ويمكن أن يجد صعوبة في البقاء بمفرده، وهو الأمر الذي يجعله غير راغب في الذهاب للمدرسة والاختلاط بالغرباء. وأيضاً يعاني من الخوف من أداء بعض المهام التي كان يقوم بها في الماضي بسهولة مثل عبور الشارع بمفرده بعد رؤية حادثة مروعة. وفي الأغلب تأخذ أعراض ما بعد الصدمة عدة نماذج منها:
– «الاجترار» (Re Experiencing): يحدث فيه استعادة الأحداث الأليمة بكل معاناتها ودائماً تنتاب الأطفال الكوابيس التي تجسد لهم الحدث بكل تفصيلاته، وبالنسبة للأطفال الأصغر عمراً يمكن أن تكون الكوابيس عن أشياء مخيفة في المجمل وليس الحدث بالتحديد.
– «التجنب» (Avoidance): يحدث فيه تجنب لأي شخص أو شيء أو مكان أو حتى حديث يمكن أن يقوم بتذكير الطفل بالحادث المؤلم. وتكمن مشكلة هذا النوع في الارتباط السلبي بمعنى أن الطفل يقوم بتجنب أشخاص لم يؤذوه، بل لمجرد أنهم وُجدوا معه في أوقات الصدمة ويستمر خوفه منهم أو يتجنب الذهاب للبحر مثلاً في حالة التعرض لرؤية غريق.
– تغير الأفكار والمشاعر (Changes in thoughts): ويحدث فيه تغير كبير في تفكير وإحساس الطفل ويمكن أن يكون ذلك في اتجاهين عكسيين، بمعنى أن بعض الأطفال يصبحون عاطفيين جداً ودائمي الحزن والبكاء لأي موقف ويشعرون بالذنب طوال الوقت، أما البعض الآخر فيصبح لا مبالياً على الإطلاق.
– علاج سلوكي وطبي
يعتمد علاج اضطراب ما بعد الصدمة بشكل أساسي على استهداف الأعراض السابقة بشكل سلوكي من خلال تعليم الأطفال مهارات للتعرف على عواطفهم الحقيقية والتعامل معها بمعنى إدراكهم الفرق بين التفكير والمشاعر.
وعلى سبيل المثال، فإن تذكر حادث اعتداء جنسي على الطفل يمكن بالضرورة أن يسبب الحزن (مشاعر) وهذا ليس إحساساً خاطئاً. ولكن إحساس الطفل بالذنب لأنه ربما يكون مسؤولاً عن ذلك (تفكير) وذلك يعدّ تفكيراً خاطئاً. ويتم تعليم الأطفال تدريبات للاسترخاء مثل أخذ نفس عميق، وأيضاً تمرينات رياضية لاسترخاء العضلات لتقليل التوتر الذي يمكن أن يسبب انقباض العضلات.
من الأمور المهمة جداً في العلاج عدم تجاهل الصدمة والاعتراف بحدوثها والكلام عنها حتى يمكن تجاوزها، حيث إن التظاهر بأن كل شيء على ما يرام لن يفيد الطفل. وعلى النقيض، فإن حث الطفل على التحدث عن معاناته يكون مفيداً.
وفي كثير من الأحيان، يلجأ الآباء إلى تجنيب الطفل المواقف أو الأشخاص التي يمكن أن تعيد تذكر الصدمة وهذا السلوك خاطئ ويجب عمل العكس تماماً، حيث إن تعريض الطفل للأشياء التي يخافها بشكل متدرج يمكنه من التعامل الطبيعي معها بعد ذلك. وعلى سبيل المثال في حالة مشاهدة الطفل وفاة أحد الأشخاص غرقاً في البحر يرتبط منظر البحر في ذهن الطفل بالخوف والفزع، رغم أن منظر البحر لا يثير المخاوف، لكن لارتباطه المشروط بالألم، وتعريض الطفل باستمرار لما يمكن تسميته بالصدمة الآمنة (safe trauma) يجعله قادراً على كسر الارتباط والحياة بشكل طبيعي.
ينصح الأطباء النفسيون بضرورة أن يتم العلاج مبكراً للأطفال، حيث إن أغلب الأسر لا تلجأ إلى العلاج المتخصص قبل مرور وقت طويل ربما يبلغ بضعة أعوام ظناً منهم أن الطفل تجاوز الأزمة. ولكن يجب أن يدرك الآباء أن الأطفال أكثر تأثراً بالأحداث الأليمة مما يظنون، وكلما تأخر العلاج أصبحت الصدمة جزءاً من التكوين النفسي للطفل والمراهق تلازمه بقية حياته، ويوضح الأطباء أنه بجانب العلاج النفسي والسلوكي هناك علاج دوائي يتم وصفه يساعد في تخفيف حدة الأعراض مثل مضادات الاكتئاب. وأيضاً يساعد العلاج الدوائي في التخلص من إدمان المواد المخدرة المختلفة.
– استشاري طب الأطفال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net