عيوب القلب الخلقية والاكتئاب

كشفت دراسة أميركية حديثة عن احتمالية أن يكون الأطفال الذين يعانون من عيوب خلقية في القلب أكثر عرضة من غيرهم من الأقران للإصابة بالأمراض النفسية، مثل القلق والتوتر ونقص الانتباه وفرط النشاط، وذلك بغض النظر عن طبيعة العيب الخلقي، وحدة الأعراض.
تأتى أهمية هذه الدراسة حينما نعلم أن العيوب الخلقية في القلب (Congenital Heart defects)، تمثل أشهر العيوب في الأطفال بشكل عام، وتبعاً لمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الأميركي، فإن هناك 40 ألف حالة منها على وجه التقريب من مجموع الولادات في الولايات المتحدة كل عام، وعالمياً هناك حوالي 18 حالة لكل ألف ولادة. وهذه العيوب تتدرج من عيوب لها أعراض بسيطة أو متوسطة وأخرى تستلزم إجراء عملية جراحية أو أكثر.

– عيوب القلب
في الدراسة التي تم نشرها في مطلع شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي في مجلة «طب الأطفال» (the journal Pediatrics)، قام الباحثون بمراجعة البيانات الطبية الخاصة بـ119 ألفاً من الأطفال الأميركيين تتراوح أعمارهم بين 4 و17 عاماً من الذين تم علاجهم في مستشفى الأطفال بولاية تكساس في الفترة من 2011 وحتى 2016. ومن هذه السجلات كان هناك 1164 عانوا من العيوب الخلقية للقلب، وجميعهم بما فيهم الأطفال الأصغر عمراً، قد عانوا من القلق والاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة.
وفى المجمل كانت هناك نسبة منهم بلغت 18 في المائة قد تم تشخيصها بالفعل بالمرض النفسي تناولوا العلاج مقابل 5 في المائة فقط من أقرانهم الآخرين الذين ولدوا بشكل طبيعي كما كانت. هناك نسبة بلغت 5 في المائة عانوا من فرط النشاط ونقص الانتباه (ADHD) مقابل 2 في المائة فقط للأقران الطبيعيين.
حاول العلماء تفسير السبب وراء الأمراض النفسية التي تصيب هؤلاء الأطفال، وخلصوا إلى احتمالية أن تكون مجموعة من العوامل أهمها طبيعة أعراض العيوب الخلقية التي تقلل من المجهود العادي للطفل، خصوصاً في التمرينات الرياضية. وفي بعض الحالات متوسطة الشدة ربما يستلزم الأمر الراحة التامة بالفراش والغياب عن المدرسة، وهو الأمر الذي يزيد من نسبة تعرضهم للاكتئاب 5 أضعاف الأقران.
وفى الحالات الشديدة التي تستدعي الحجز في المستشفيات، ترتفع نسبة فرص الإصابة بالاكتئاب إلى 7 أضعاف الطفل العادي، فضلاً عن حدة الأعراض نفسها، والاضطرار إلى اللجوء إلى عمليات جراحية أو إجراءات أخرى أقل حدة، ولكنها تدخلية (invasive) أيضاً، ما يزيد من الشعور بأنه أقل من الأقران، خصوصاً أنه في كثير من الأحيان تستمر هذه العيوب مدى الحياة.
أوضح الباحثون أن جزءاً كبيراً من العبء النفسي على الأطفال هو الألم النفسي، الذي يعاني منه الأبوان جراء إصابة الأبناء بالمرض مما ينعكس على تعاملهم معه، حيث يميلون بشكل لا إرادي إلى حماية هذا الطفل أكثر من أخوته، ويكون شعور الخوف على حالته الصحية هو المسيطر على المواقف المختلفة. ورغم أن هذا السلوك طبيعي وتلقائي، إلا أن يترك آثاراً نفسية سيئة على الأطفال، ويعزز من إحساسهم بالعجز. وأيضاً نتيجة للغياب المتكرر من المدرسة في الأغلب يعاني هؤلاء الأطفال من تراجع المستوى الدراسي، فضلاً عن العزلة المجتمعية وبطبيعة مرضهم لا يكونوا قادرين على مشاركة الأقران اللعب أو الأنشطة الترفيهية المختلفة التي تقوي أواصر الصداقة، وهو الأمر الذي يصيبهم بالاكتئاب والتوتر.

– صحة نفسية
أشار العلماء إلى أن التقدم الصحي حسن بالفعل من حياة هؤلاء الأطفال، وفي السابق كان التركيز الأساسي في العلاج على إنقاذ الأطفال من الموت، أما الآن فإنهم يحيون حياة أقرب إلى الطبيعية تبعاً لنوعية العيب الخلقي، سواء عن طريق العلاج الدوائي أو الجراحي، ولذلك يجب أن يهتم الأطباء بالحالة النفسية لهؤلاء الأطفال بجانب صحة القلب، حيث يمكن أن تكون عاملاً معطلاً في العلاج، خصوصاً أن الحالة النفسية لها تأثير مباشر على القلب وانتظام الضربات وضغط الدم. ويجب أن يأخذ الآباء بعين الاعتبار العلامات الدالة على تأخر الصحة النفسية مثل الحزن المبالغ فيه عند تناول الدواء، أو عمل أي إجراء جراحي، أو القلق والاكتئاب وغيرها، والعرض على طبيب أو معالج نفسي.
أوضحت الدراسة أن أطباء القلب يجب أن يقوموا بعمل مسح (screening) لهؤلاء الأطفال للعلامات السابق ذكرها، وكلما كان ذلك مبكراً كلما كان أفضل، خصوصاً أن الدراسة وجدت أن أطفال الأقليات العرقية والأسر الأقل اقتصادياً عانوا من الأمراض النفسية أكثر من غيرهم حتى من مرضى القلب. وهو ما يؤكد الدور الذي يلعبه العامل النفسي في تطور الحالة.
وأكدت الدراسة على أن الخوف أو القلق العادي من أي إجراء طبي يُعد شيئاً طبيعياً ومتوقعاً، لكن إذا تعارض هذا القلق والخوف مع وتيرة الحياة اليومية للطفل يجب الاستعانة بالخبرة الطبية.
ونصحت الدراسة الآباء بضرورة الاستماع لأطفالهم، والسماح لهم بالتعبير عن مشاعرهم، وأيضاً نصحتهم بأهمية السماح للأطفال للقيام بالأنشطة العادية، بمعنى أن يتوقف الآباء عن القلق المبالغ فيه تجاه صحة أبنائهم، ومنعهم من ممارسة أي أنشطة خوفاً عليهم. وفي المقابل يمكن السماح باللعب مع الملاحظة الجيدة والتنبيه على الأبناء بالتوقف عند الشعور بالإعياء، أو صعوبة التنفس، أو أي أعراض أخرى. ويمكن معاودة اللعب لاحقاً.
ويجب أن يتم تشجيع الأبناء على الانخراط في بقية الأنشطة التي لا تحتاج إلى مجهود بدني بشكل طبيعي مثل الحفلات والرحلات، وهو الأمر الذي يشعر الطفل بعدم خطورة مرضه، وأنه لا يختلف عن باقي زملائه.
– استشاري طب الأطفال

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net