موسم المظاهرات «الفئوية» ينتعش في بغداد

يبدو أن الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 واستطاعت أن تحقق بعض مطالبها خصوصاً المتعلقة بإسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، تركت انطباعاً لدى فئات اجتماعية عراقية غير قليلة، مفاده أن في وسع كل جماعة تحقيق مطالبها في التوظيف وغير ذلك، إذا ما استطاعت تحشيد المئات والتظاهر أمام الوزارة أو المؤسسة المعنية.
وغالباً ما تدفع الاستجابة الجزئية من الحكومة لبعض المتظاهرين، بقية الفئات إلى تكثيف جهودها الاحتجاجية لنيل مطالبها، مثلما حدث مع المعتصمين منذ أسابيع أمام مبنى وزارة الدفاع وسط بغداد وتمكنوا، الأسبوع الماضي، من إحراز موافقة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على توظيف أكثر من 400 منهم، بعد قيامه بزيارة مكان اعتصامهم. الأمر الذي دفع كثيرين إلى انتقاد خطوة التوظيف بوصفها ستدفع فئات أخرى إلى التحرك للحصول على ذات الامتياز.
في سياق ذلك، خرج المئات من طلبة المرحلة الأخيرة في الثانوية العامة (السادس الإعدادي)، أمس، للمطالبة باعتماد درجة المعدل «التراكمي»، ويعني، رغم الغموض الذي يحيطه، بأن يتم احتساب وتقسيم درجات مواد مرحلتي الرابع والخامس الإعداديين وتثبيتها كدرجة نجاح لمرحلة السادس الإعدادي المؤهلة لدخول الجامعة. ويقال إن المقترح لا يسمح للطلبة المستفيدين من هذا النوع من العبور التقديم لكليات الطب والهندسة ويقتصر التقديم عليها لمن يفضلون تأدية امتحان «البكالوريا» النهائي. ويقدم الطلبة المطالبون بـ«التراكمي» ذريعة عدم القدرة على تأدية امتحان السادس الثانوي بسبب الظروف المتعلقة بفيروس (كورونا) ومجمل التعقيدات التي رافقت الموسم الدراسي لسنة (2019 – 2020).
وإلى جانب مظاهرات الطلبة، تتوزع أعداد من فئات عديدة على مختلف الساحات والشوارع ويعتصم بعضها أمام الوزارات والمؤسسات الحكومية. حيث رُصد في بحر الأسبوع الماضي نحو 100 من خريجي كلية العلوم السياسية وهم يتجمعون أمام مبنى وزارة الخارجية في منطقة الصالحية مطالبين بالتعيين.
وأمام مبنى وزارة الصحة في الباب المعظم يتجمع العشرات من أصحاب العقود للمطالبة بالتثبيت على الملاك الدائم في الوزارة.
وأمام مبنى مجلس محافظة بغداد ومنطقة العلاوي القريبة يتجمع نحو 50 شخصاً من الملغاة عقودهم من هيئة «الحشد الشعبي». للمطالبة بإعادة تجديد عقودهم، وقد قامت مجموعة من هؤلاء، الأسبوع الماضي، بالاعتداء على أحد ضباط شرطة النجدة، ما دفع وزارة الداخلية إلى اعتقال عدد منهم. كذلك تتجمع أعداد مماثلة من العسكريين والشرطة أمام مبنى وزارتي الدفاع والداخلية لإعادتهم إلى الخدمة.
ويواصل منذ نحو أسبوع خريجو كليات الإعلام في ساحة التحرير وسط بغداد المطالبة بالتعيين وقبول عضويتهم في نقابة الصحافيين التي تمنح العضوية للعاملين في مجال الصحافة والإعلام فقط، وليس لعموم الخريجين من كليات الإعلام.
كما تواصل بعض الجماعات المدنية وجماعات اليسار مظاهراتها المطالبة بإقرار قانون العنف الأسري في مجلس النواب.
وفي منطقة البيجية ببغداد تظاهر العشرات من عمال العقود في دائرة الكهرباء للمطالبة بصرف رواتبهم، ويتجمع منذ أسابيع عشرات الخريجين من كليات الهندسة للمطالبة بالوظائف الحكومية، وكذلك الحال بالنسبة لخريجي النفط أمام وزارة النفط في شارع فلسطين.

ورغم التعاطف الذي تبديه جماعات الحراك مع مطالب توفير فرص العمل للعاطلين بشكل عام، فإن بعض الناشطين يرفضون أن تتحول مطالب الحراك الاحتجاجي من صيغتها الشاملة التي تركز على المطالب المحقة لعموم السكان، إلى مطالب فئوية ضيقة. وهناك من يعتقد أن بعض تلك المظاهرات الفئوية غير محقة، خصوصاً تلك المتعلقة بمطالبة طلبة الثانوية بالمعدل التراكمي الذي يعني العبور إلى الجامعة دون الخضوع لاختبار، ويرون أنها تستغل حالة الاحتجاج والمظاهرات التي تشكل ضغطاً كبيراً على السلطات لإرغامها على تحقيق مصالح وأهداف لا تصبّ في صالح الحراك الذي أراد تحقيق أهداف ومطالب عامة تصب في صالح المواطنين في عموم البلاد. لكن البعض يرى أن المظاهرات «الفئوية» ربما تشكّل مدخلاً مهماً لاحتجاجات واسعة قد تنطلق مع بدء موسم الشتاء وتراجع درجات الحرارة، نظراً لحالة الغليان الشعبي ضد السلطة وأحزابها وميليشياتها المتواصلة منذ سنوات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net