العمر الفعلي بين «التسلسل الزمني» و«العمر البيولوجي»

عندما يُسأل أحدنا عن عمره، فمن البديهي أن تستند إجابته إلى عدد الشموع الموضوعة على كعكة عيد ميلاده الأخير، وهذا هو العمر الزمني الذي يحدد العمر بشكل عام وعدد السنوات التي مرت منذ الولادة، ولكنه ليس مؤشراً جيداً جداً على مدى تقدم الشخص في العمر.
إن معظمنا لا يُدرك أن هناك طريقة أخرى أكثر إيضاحاً ووصفاً، وإن كانت أقل شهرة، لتصنيف العمر، تُعرف باسم «العمر البيولوجي»، الذي يشير إلى العمر الحقيقي لخلايانا، وبالتالي إلى عمرنا الحقيقي. قد نجد شخصين وُلدا في نفس العام، أي أنهما في نفس العمر الزمني، ولكن لدى كل منهما مخاطر مختلفة لتطوير الحالات المرتبطة بالعمر – لأنهما يتقدمان في العمر بمعدل مختلف، فيبدو أحدهما بمظهر وتصرف أصغر من الآخر ومما هو عليه بالفعل. وهذا ما أعطى أهمية للعمر «البيولوجي»، بالإضافة إلى العمر الزمني. إذن ما هو الفرق بينهما؟ وما هو وضع الشيخوخة لدينا بالمملكة؟ ورعاية المسنين.

– الزمن والبيولوجيا
هل يطابق العمر الزمني للشخص عمره البيولوجي؟ تحدث إلى «صحتك» الدكتور خالد بن علي المدني استشاري التغذية العلاجية بعيادات أدفانس كلينيك بجدة عضو مجلس إدارة المعهد الدولي لعلوم الحياة فرع الشرق الأوسط – موضحاً أن هناك فرقاً بين العمر الزمني بالسنوات والعمر البيولوجي الذي يدل على مدى ظهور أعراض الشيخوخة.
إن كبار السن من نفس العمر الزمني يبدون مختلفين اختلافاً جوهرياً من حيث أعراض الشيخوخة الظاهرة على كل منهم. لذلك يقاس عمر الإنسان بمدى ظهور أعراض الشيخوخة عليه ومن أهمها صحة وكفاءة الشرايين. ويمكن تصنيف الذين يشكون من أمراض في الشرايين وتتراوح أعمارهم ما بين 40 و50 عاماً بأنهم ضمن خانة الشيخوخة المبكرة، بينما أولئك الذين يتمتعون بشرايين سليمة مع ضغط دم طبيعي ويمارسون حياتهم اليومية بصورة طبيعية ونشطة لا يمكن تصنيفهم ضمن خانة الشيخوخة رغم أن أعمارهم قد تصل إلى السبعين أو الثمانين.
وبمعنى آخر، فإن العمر الزمني بالسنوات ليس من الضروري أن يطابق عمر الإنسان البيولوجي. فالعمر الزمني ليس دائماً مؤشراً على الصحة الجيدة. فقد يكون فرد عمره الزمني 75 عاماً ويتمتع بصحة ونشاط أكثر من فرد آخر عمره الزمني 55 عاماً فقط، والعكس صحيح. وقد نجد أفراداً أعمارهم 70 عاماً يمارسون ركوب الدراجة، بينما يجلس غيرهم على كرسي متحرك، والبعض قد يتمتع بالصحة والنشاط والاستقلالية، في حين يعاني آخرون من الأمراض المزمنة التي قد تعوق الحركة والنشاط وتزيد تعرضهم لسوء التغذية.

– عوامل وسلوكيات
إن عملية الشيخوخة غير معروفة الميكانيكية تماماً، والذي نعرفه أن عامل الوراثة والبيئة ونمط الحياة والمعيشة التي نمضي فيها حياتنا تؤثر على نوعية الحياة خلال دورة الحياة.
لذلك تعتبر عملية التقدم في السن عملية فردية إلى درجة كبيرة، حيث تؤثر الحياة، والمعيشة الصحية، والسلوك الغذائي السليم تأثيراً إيجابياً على صحة الفرد، وبالتالي تحسن في نوعية الحياة. وقد يصل الفرق بين العمر الزمني والعمر البيولوجي إلى ثلاثين سنة إذا ما اتبع الفرد منذ الصغر سلوكيات معيشية وغذائية إيجابية، نلخصها فيما يلي:
– انتظام النوم وكفايته.
– تناول الأطعمة الصحية المتوازنة بانتظام، وخصوصاً وجبة الإفطار.
– المحافظة على الوزن المناسب بالنسبة للطول.
– القيام بأنشطة رياضية مناسبة حسب العمر، والجنس، والحالة الصحية.
– عدم التدخين، سواءً كانت نارجيلة، أو معسل، أو سجائر، أو سيجار.
في البلاد الغنية، عندما يصل عمر الفرد الستين سنة، فهذا يعني أن هناك عدداً من السنوات للعيش تقدر للرجل بعشرين عاماً، وللمرأة أربعة وعشرين عاماً (حسب متوسط العمر المأمول عند الولادة في الدول الغنية). وهناك افتراض سائد أن التغير في الحياة المعيشية والسلوك الغذائي لا يستحق العناء المبذول، وأن المتبقي من العمر لا يجني ثمار هذا التعديل. والصحيح، أن هناك العديد من الملاحظات والتجارب الميدانية التي تظهر أن التعديل في السلوكيات الغذائية والمعيشية تجعل الحياة عند الكبر أكثر صحة وفاعلية وأقل اعتماداً على الآخرين في قضاء حياتهم المعيشية.

– غذاء صحي متوازن
يضيف الدكتور خالد المدني أن الغذاء الصحي المتوازن يجب أن يشمل ثلاثة أساسيات:
– المغذيات الأساسية وهي البروتينات والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والعناصر المعدنية والماء.
– أن يكون كافياً دون إفراط، أي أن يكون بالكمية اللازمة لاحتياج المسن وما يبذله من طاقة. بحيث لا يتغلب عنصر غذائي على آخر. وقد أثبتت الدراسات العلمية أن سوء التغذية ينتج عنه مشكلات صحية عديدة، وقد يكون بسبب نقص في كمية الغذاء أو أحد عناصره الهامة، والتي تظهر بصورة واضحة في فئة المسنين. أو بسبب الإفراط في استهلاك الطعام والذي يؤدي إلى السمنة أو البدانة وما يصاحبها من مشكلات طبية ونفسية واجتماعية.
– أن يكون نظيفاً، فالنظافة واجبة في كل شيء في حياة الإنسان، وهي أوجب ما تكون في الغذاء حيث إن كثيراً من الأمراض تنتقل إلى الإنسان عن طريق الطعام الملوث.
ويمكن تحقيق هذه الأساسيات بتنويع مصادر الطعام للحصول على جميع المغذيات مع زيادة تناول الخضراوات والفاكهة. كذلك التوازن في تناول الأطعمة الدهنية بحيث لا تزيد الدهون عن 30 في المائة من السعرات الحرارية الكلية. والأطعمة البروتينية بحيث تعادل البروتينات ما بين 10 في المائة إلى 15 في المائة من السعرات الحرارية الكلية. والأطعمة الكربوهيدراتية بحيث تعادل الكربوهيدرات ما بين 55 إلى 65 في المائة من السعرات الحرارية الكلية. بالإضافة إلى الاعتدال في تناول الأطعمة لتحقيق توازن بين الطاقة المتناولة والطاقة المبذولة، حيث لا توجد أطعمة جيدة وأطعمة سيئة، بل توجد أنظمة غذائية جيدة وأنظمة غذائية سيئة. أما بالنسبة إلى سلامة الطعام فتتم من خلال التأكد من عدم ظهور أي علامات أو مؤشرات على فساد الأطعمة سواءً المطهية أو الطازجة أو المعلبة مع نظافة وسلامة الشخص والمكان ومعدات الطهي والتخزين.
وتتمثل أهمية الغذاء الصحي المتوازن في أنه يقي من الكثير من الأمراض خلال مراحل العمر. وفيما يلي بعض الأمثلة:
– يساعد تناول الكميات المناسبة من السعرات الحرارية في الوقاية من السمنة وداء السكري (النوع الثاني) وما يتبعها من مشكلات صحية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.
– تناول الكمية الكافية من الأطعمة الغنية بالمغذيات يقي الإنسان من بعض أنواع العوز الغذائي مثل عوز الحديد، واليود، وفيتامين سي (C).
– تنوع الغذاء مع زيادة تناول بعض أنواع الخضراوات قد يقي من بعض أنواع السرطان.
– يساعد تناول كمية كافية من الألياف على تجنب حدوث الإمساك وما يتبعه من مشكلات صحية، كما قد تقي الكمية الكافية من الألياف من سرطان القولون.
– تناول كمية كافية من الكالسيوم خلال مراحل العمر يقي من الإصابة بحالات هشاشة العظام. حيث يحدث الفقد التدريجي لعنصر الكالسيوم من العظام خلال فترة زمنية طويلة قد تمتد نحو عشرين عاماً قبل ظهور الأعراض الإكلينيكية.

– المسنون في السعودية
> متوسط العمر. أدى التقدم في وسائل التشخيص والوقاية والعلاج وحياة الرفاهية في المملكة العربية السعودية خلال الثلاثين سنة الماضية إلى انخفاض كبير في معدل الوفيات من الأمراض المعدية والطفيلية وسوء التغذية الناتج من نقص العناصر الغذائية وزيادة نسبة الوفيات من أمراض الرفاهية مثل أمراض القلب، والأوعية الدموية، والسرطان، وداء السكري. كما أدى ازدياد الوعي الصحي وتزايد الجهود الموجهة لرعاية كبار السن إلى ارتفاع في متوسط العمر المأمول عند الولادة في المملكة من 52 سنة عام 1972 إلى 72 سنة في عام 2002. وذلك بناءً على التقرير السنوي لوضع الأطفال في العالم والصادر من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) سنة 2004. ويوضح التقرير نسبة الزيادة المتوقعة لمعدل المسنين (60 سنة فأكثر) في السنوات القادمة من عدد السكان الكلي في المملكة العربية السعودية، فبعد أن كانت 4.1. 4.8 في الأعوام 1995، 2010 يتوقع أن تصبح 6.1 عام 2025.
> رعاية المسنين. حرصت المملكة، كدولة تنطلق أنظمتها وقوانينها من الشريعة الإسلامية لجانب ما تتمتع به من العادات والقيم والتقاليد الموروثة التي توجب التكافل والترابط الأسري، على إحداث العديد من البرامج وإنشاء العديد من دور الرعاية الصحية والاجتماعية للمسنين. ويتجسد هذا الحرص بشكل خاص في الخدمات التي تقدمها وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، والمؤسسات الخيرية، والرعاية الأهلية، والقطاع الخاص، والجامعات في توفير وتطوير الخدمات المقدمة لكبار السن، ومنها:
– وزارة الصحة، تقدم الرعاية والعناية للمسنين من خلال الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات العامة والتخصصية، ومراكز التأهيل ومستشفيات النقاهة، كما توجد بعض المستشفيات الخاصة بالمسنين مثل مستشفى الشفاء بعنيزة. كما تم إعداد دليل شامل يحوي معايير تقديم خدمات الرعاية الصحية الأولية للمسنين، ويوضح جوانب هذه الخدمة ودور الرعاية الصحية الأولية فيها من أنشطة تطويرية ووقائية وعلاجية وتأهيلية داخل وخارج المركز الصحي من خلال الزيارات المنزلية، بالإضافة إلى منهاج لتدبير المشاكل الصحية الشائعة لدى المسنين.
– وزارة الشؤون الاجتماعية، بدأت بدور الأيتام ثم إنشاء دور الرعاية الاجتماعية في مدن المملكة كان أولها دار الرعاية الاجتماعية بالرياض سنة 1380هـ، وقد هُيئت هذه الدور لاستقبال كبار السن الذين أعجزتهم الشيخوخة عن العمل أو القيام بشؤون أنفسهم والمسنين الذين لا عائل لهم والمحالين من مستشفيات وزارة الصحة بشرط خلوهم من الأمراض المعدية أو العقلية. وقد روعي عند إعداد هذه الدور أن تكون قريبة إلى حياة الأسرة الطبيعية، يتمتع فيها المسن بنوع من الاستقلال في المعيشة ويشعر فيها بالألفة والراحة النفسية وأن يتوفر فيها السكن والتغذية وأوجه الرعاية المناسبة التي تحتاج إليها فئات المرضى وكبار السن من رعاية اجتماعية، ورعاية نفسية، ورعاية ثقافية بالإضافة إلى النشاط الثقافي، والنشاط المهني والترفيهي والرياضي. وهناك إدارة خاصة بوزارة الشؤون الاجتماعية برعاية المسنين، وجاري دراسة إنشاء هيئة وطنية تُعني بالمسنين.
– المؤسسات الخيرية، هناك العديد من المؤسسات الخيرية أهمها: مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية، ومركز الأمير سلمان الاجتماعي. ويتميز هذا الأخير بتقديم الرعاية النهارية للمسن حيث يمارس بعض العمليات الاجتماعية لدمجه في المجتمع الخارجي وعدم تركه للعزلة التي قد يمارسها المسن بغير اختيار منه نتيجة للمتغيرات التي يمر بها في مرحلة الشيخوخة.
– الرعاية الأهلية، وهي مساكن تسمى بالأربطة (رباط)، يقيمها أهل الخير لإيواء كبار السن والمنقطعين من الحجاج، مع تزويدهم بالمؤن والمساعدات.
– القطاع الخاص، أقسام ومراكز ببعض المستشفيات الخاصة للعناية بالمسنين وخدمات المعاقين.
– الجامعات، الجهود جارية لإدخال أمراض الشيخوخة ضمن مناهج كليات الطب، وقد صدر العديد من الدراسات والأبحاث الأكاديمية في المملكة التي تعنى برعاية المسنين وصحتهم خاصة النفسية والاجتماعية.

– استشاري طب المجتمع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net