40 % من السعرات الحرارية التي يتناولها الأطفال «فارغة»

مع الانتشار الواسع للمنتجات غير الصحية التي تضر بصحة الكبار والصغار؛ فإن كثيراً من الشركات التي تصنع منتجات غير صحية تستهدف الأطفال والمراهقين بشكل واسع عن طريق وضع شخصيات كرتونية مفضلة لهم على غلاف المنتج أو الظهور في إعلانات بطريقة تجذب الأطفال.
ومما لا شك فيه أن مرحلة النمو هي من أكثر المراحل الحساسة التي يجب على الأسرة أن يسخروا حرصهم واهتمامهم على أطفالهم فيها، فقد يُشكل إهمال التغذية في هذه المرحلة خطورة على صحة الطفل مثل تعرضه لأمراض مزمنة أو التأثير على قدراته العقلية أو حتى على قوة بنيته الجسدية. فكيف نحافظ على صحة أطفالنا ونهتم بغذائهم، ونعمل على وقايتهم من الأمراض؟
وقد أقيمت في مدينة جدة ندوة توعوية تثقيفية للأمهات هي الأولى من نوعها، نظمها مركز حلم ماما لضيافة الأطفال بجدة، بالتعاون مع ملتقى الخبرات للمعارض والمؤتمرات، بمشاركة نخبة متميزة من المتحدثات المتخصصات في العديد من الجوانب الصحية والنفسية، بهدف تعليم الأمهات، والمقبلات على الأمومة، على الطرق والأساليب الصحيحة لتربية أطفالهن تربية صحية سليمة، وتمكين الأمهات من الاكتشاف المبكر للأمراض التي قد يعاني منها الطفل قبل ظهور أي أعراض واضحة، وقد تتفاقم خطورتها ولا يتم اكتشافها إلا في وقت متأخر وبعد فوات الأوان، أحياناً.

– التغذية السليمة
تحدثت إلى «صحتك» الأستاذة هبة فوال اختصاصية تغذية علاجية – موضحة أن هناك 1 من بين كل 3 أطفال على مستوى العالم، لا ينمو نمواً سليماً بسبب سوء التغذية (زيادة وزن، نحافة، تقزم…). كما انتشرت السمنة بين الأطفال في الآونة الأخيرة وأدت إلى انتشار الإصابة بالسكري النوع الثاني بينهم، الذي كان يقتصر على الكبار فقط وذلك نتيجة لاستهلاكهم للسعرات الحرارية الفارغة.
وأثبتت الدراسات أن 40 في المائة من السعرات الحرارية التي يتناولها الأطفال دون سن التاسعة هي سعرات فارغة؛ أي أنها تفتقر للعناصر الغذائية اللازمة لعمليات النمو الجسدي والعقلي وإنتاج الطاقة. ويعود السبب في ذلك لاستهلاك الأطفال والمراهقين للوجبات السريعة التي تقدمها أغلب المطاعم المفضلة لديهم. ثم أثبتت دراسة أخرى أن نسبة الأطفال، من 4 إلى 6 سنوات، الذين يتناولون احتياجهم الكافي من الخضراوات والفواكه لا تتعدى 15 في المائة فقط من إجمالي عدد الأطفال في العالم.
وتشير أ. هبة فوال إلى أن التحصيل الدراسي المرتفع والتغذية السليمة هما وجهان لعملة واحدة، فالتغذية السليمة تساعد الطفل على الاستيعاب والتجاوب والفهم والحفظ، لأن ارتفاع القيم الغذائية يعادل ارتفاع التحصيل الدراسي. وأشارت الدراسات إلى أن الوجبات المدرسية تفتقر العناصر الغذائية التي يحتاجها الطفل لهذا يجب السعي في تحسين الوجبات المدرسية وزيادة الوعي الصحي للأطفال وأسرهم.

– الصحة النفسية
هنالك عوامل أخرى تؤخذ بالاعتبار بجانب الاهتمام بتغذية الطفل مثل الصحة النفسية والنوم والنشاط البدني وغيرها، فمن حيث الجانب النفسي فإن الطفل الذي يتناول طعامه في بيئة يسودها الهدوء والطمأنينة نجد أن جهازه الهضمي يعمل بشكل أفضل، مقارنة بالطفل الذي يعيش في جو أسري سلبي، خاصة حين يعيش الطفل في حالة من الضغوطات النفسية والتعليقات السلبية أو الساخرة مثل التعليق على جسمه أو شكله أو مقارنته بالأطفال الآخرين، ونتيجة لذلك نجد في معظم الأحيان أن علاقة الطفل بالطعام هي علاقة عاطفية لا أكثر.
ويوجد ترابط عميق بين ردة فعل الجهاز الهضمي تجاه الطعام ونفسية الطفل، حيث تظهر بعض الآثار الجانبية مثل مشكلات الهضم والامتصاص التي تظهر على شكل غازات وانتفاخات وتقلصات وآلام المعدة أو مشاكل في الإخراج، وهذه العلاقة تسمى في المجمل بـGut – Brain Axis؛ أي محور الدماغ المعوي وهو التأثير الكيميائي الحيوي بين الأمعاء والجهاز المركزي العصبي، لذلك تشير الدراسات أيضاً إلى خطورة ربط الطعام بالمكافآت والعقوبات حتى لا يقع الطفل في مشكلة الأكل العاطفي.

– النوم والنشاط
النوم السليم. أحد العوامل التي تساهم في النمو السليم للطفل هو النوم السليم، فالطفل الذي لا ينام بشكل كافٍ لا يستطيع جسده الاستجابة للوظائف الإدراكية والمعرفية، بل ويؤثر سلباً على مناعته ونشاطه وتركيزه طيلة اليوم. وقلة النوم ليلاً ترفع هرمون التوتر (الكورتيزول) الذي بدوره يزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب والتأثير على التحصيل الدراسي وجودة الحياة بصفة عامة.
ويجب أن نأخذ بالحسبان الخطوات التي تساعد الطفل في الحصول على عدد ساعات كافية من النوم؛ مثل الابتعاد عن الشاشات الزرقاء والإضاءة المرتفعة والوجبات الدسمة قبل النوم على الأقل بساعتين، فالنوم العميق سبب رئيسي في تحسين صحة الطفل وتقوية جهاز المناعة وتحسين المزاج والتركيز وزيادة النشاط البدني وبالتالي يرتفع تحصيله الدراسي.
وقد أفادت الجمعية الكندية للأطفال أن الطفل كلما كان أصغر بالعمر احتاج عدد ساعات نوم أكثر، فعلى سبيل المثال يحتاج حديثو الولادة إلى عمر الشهرين إلى النوم بما يعادل 16 إلى 18 ساعة يومياً، بينما من عمر 5 إلى 10 سنوات يحتاجون إلى 10 إلى 12 ساعة يومياً والمراهقون من 14 إلى 18 سنة يحتاجون من 8 إلى 10 ساعات يومياً.
– النشاط البدني. تنصح أ. هبة فوال بالتوازن بين الطاقة المتناولة من الطعام والطاقة المصروفة (الجهد البدني) للحصول على جسم متوازن، أما إذا كانت حركة الطفل قليلة أو تكاد تكون معدومة مع تناول كمية كبيرة من السعرات، فإن ذلك قد يكون من أحد أهم مسببات السمنة المفرطة. وتمد السعرات الحرارية المفيدة جسم الطفل بالطاقة والمغذيات المهمة في عملية البناء، وهي السعرات الحرارية الموجودة في الفواكه والخضراوات واللحوم وليست السعرات الحرارية الفارغة الموجودة في الحلويات والسكريات.
الفواكه مثل التفاح على سبيل المثال من الأغذية التي تحتوي على عناصر غذائية مهمة مثل الفيتامينات والمعادن، بالإضافة إلى الألياف التي بدورها لا تجعل الطفل يشعر بالجوع السريع مثلما يحدث أثناء تناول الحلويات التي تسبب الشعور بالجوع الشديد والرغبة في تناول المزيد بعد فترة قصيرة من تناول هذه الأغذية.
أما المصابون بالسكري فإن معدل السكر في الدم لديهم يرتفع بشكل ملحوظ جداً بعد تناول هذه الوجبات، فالحلويات والسكريات مليئة بالسعرات الحرارية الفارغة التي تمد الجسم بطاقة غير صحية، حيث إنها غنية بالسكريات والدهون التي تجعل حركة الطفل غير طبيعية، وقد أشارت الدراسات إلى أن الأطعمة الغنية بالسكريات والدهون والأصباغ الصناعية والمواد الحافظة قد تسبب مشكلات لدى الأطفال وتركيزهم ووعيهم وحتى تؤثر على وظائفهم الإدراكية خصوصاً الأطفال المصابون بفرط الحركة ونقص الانتباه مما يجعل من الصعوبة معرفة ما إذا كان السكر هو السبب أم الإصابة بفرط الحركة.

– العناصر الغذائية
توصيات غذائية. توصي وزارة الزراعة الأميركية على أن يحتوي نصف طبق الطفل على فواكه وخضراوات والنصف الآخر بروتينات حيوانية أو نباتية، بالإضافة إلى الحبوب الكاملة على ألا تقل حصص الفواكه والخضراوات عن 5 حصص يومياً. ويحصل الطفل على الطاقة من الحبوب والكربوهيدرات مثل الأرز والمكرونة والخبز، أما للحصول على كمية كافية من الألياف فيُفضل أن يتناول الحبوب الكاملة مثل الخبز الأسمر والكينوا والشوفان والدخن وغيرها. يساعد كلٌ من البروتين الحيواني والنباتي على بناء أنسجة الجسم ويتميزان بالاختيارات المتنوعة مثل اللحوم الحمراء والبيضاء والحليب ومشتقاته والبيض والبقوليات بمختلف أنواعها مثل الفاصوليا والعدس والبازلاء والصويا وغيرها.
> أهمية الدهون. تشير التوصيات إلى أن قلة الدهون تؤثر سلباً على الأطفال خاصة من هم دون السنتين، فهم يحتاج للدهون الصحية لتمدهم بالطاقة ولتساعدهم على امتصاص بعض الفيتامينات وإنتاج بعض الهرمونات في الجسم، بالإضافة إلى أهميتها في النمو وتكوين المخ والأعصاب ووظائفها. وتوجد الدهون الصحية في العديد من المواد الغذائية مثل البذور والأسماك الدهنية وزيت الزيتون وزيت جوز الهند والمكسرات غير المحمصة والأفوكادو وغيرها.
ويجب تجنب الدهون الضارة بقدر الإمكان، وقد أوصت الهيئة السعودية للغذاء والدواء بالابتعاد عن الدهون المتحولة والمهدرجة والحرص على ألا تزيد نسبتها عن 2 في المائة في وجباتنا، وهذا ما دفع الهيئة إلى الاشتراط على جميع الشركات وضع ملصقات توضيحية للمعلومات الغذائية على جميع المنتجات الغذائية وعلى الأخص ذكر محتواها من الدهون المتحولة والمهدرجة وملونات الطعام. لذلك يجب الحرص على قراءة البطاقة الغذائية قبل شراء المنتج، أضف لذلك أنه كلما اتجهنا إلى الأغذية الطازجة ساعد ذلك على ضمان مغذيات أعلى لأطفالنا.
> استراتيجيات غذائية.
وتشمل:
– تشجيع الطفل على تناول الطعام الصحي وتوضيح مدى ضرر الوجبات السريعة والأطعمة المصنعة والسكريات وغيرها.
– الابتعاد عن التعليقات السلبية التي تؤثر على نفسية الطفل وصحته العامة بل قد تكون أضرارها بعيدة المدى.
– إشراك الطفل في تحضير أطباقه الصحية مع توضيح القيم الغذائية لها، ومن ثم الاستمتاع بتناولها.
– استخدام الطرق المساعدة مثل الكتب والمواقع التعليمية والألعاب التي تتطلب تكوين وجبات صحية.
– أخيراً لا ننسى أننا كآباء وأمهات نعتبر قدوة للأطفال فاتباع نمط غذائي صحي يبدأ من المنزل.

– الوقاية من داء السكري عند الأطفال
تحدثت في الندوة الأستاذة إيمان العقل أخصائية تعليم مرضى السكري ومضخة الإنسولين، منسقة برامج السكري بمدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني بجدة حول كيفية وقاية الأطفال من داء السكري قبل الإصابة به أو تطوره والتسبب في مضاعفات صحية خطيرة. وداء السكري يحدث عندما لا يفرز جسم الطفل هرمون الإنسولين الذي يحتاجه للبقاء على قيد الحياة، لأنه يساعد الغلوكوز أو السكر للوصول إلى خلايا الجسم لمنحها الطاقة، ومن دونه يبقى الكثير من السكر في الدم، مما يستلزم استبدال الإنسولين المفقود.
كان مرض السكري من النوع الأول هو الشائع بين الأطفال سابقاً، ولكن النوع الثاني من السكري أضحى اليوم أكثر شيوعاً، بسبب زيادة الوزن وعدم النشاط، وفيه لا يفرز جسم الطفل ما يكفي من الإنسولين، أو لا يتمكن من استخدام الإنسولين بالشكل الصحيح.
كيف تتم الوقاية؟ تجيب أ. إيمان العقل بأنه لا توجد طريقة للوقاية من مرض السكري من النوع الأول، وعلى الوالدين مساعدة أبنائهم على اتباع عادات جيدة وأسلوب حياة صحي لمساعدتهم على تجنب زيادة خطر الإصابة بهذا المرض وتجنب مضاعفاته، وتشمل ما يلي:
– مساعدة الطفل على التحكم في نسبة السكر في الدم بشكل جيد قدر الإمكان، وذلك عن طريق تقليل المشروبات والعصائر المحلاة بالسكر.
– تعليم الطفل أهمية تناول نظام غذائي صحي، وتقديم وجبات خفيفة صحية له، مع التركيز على الخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة.
– الحد من وقت الجلوس أمام الشاشات، بما في ذلك التلفزيون والكومبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف. وضرورة إيقاف تشغيل التلفزيون أثناء تناول الوجبات.
– المتابعة مع اختصاصي التغذية للمساعدة على تحديد الأطعمة التي تحافظ على صحة الطفل.
كيف نحافظ على وزن أطفالنا؟ تجيب أ. إيمان العقل بأن زيادة النشاط البدني عند الأطفال هي من أهم طرق الوقاية من مرض السكري النوع الثاني، من خلال مساعدة الجسم على استخدام الإنسولين بشكل صحيح، مما يقلل من مقاومة الإنسولين، ويُحسن الصحة العامة، والسيطرة على ضغط الدم. لذا ننصح بتشجيع الأطفال على ممارسة 30 دقيقة على الأقل من أي نوع من التمارين الرياضية يومياً، أو الذهاب إلى الحديقة أو لعب الكرة مع أصدقائهم.
كما تؤكد على أهمية إيصال المعلومة السهلة والبسيطة لكل أم حول خطوات وطرق الوقاية من الأمراض عامة، وأن الفحص المبكر يساعد على متابعة الأطفال ومعرفة إذا ما كان أحدهم مصاباً أو لديه القابلية للإصابة بأحد الأمراض، كالسمنة والسكري أو التوحد أو حتى الصمم، أو غيرها من الأمراض، مما يُمَكِّنُ من القيام بخطوات استباقية، لمنع حدوث الإصابة أو الحد من تفاقم المشكلة على أقل تقدير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net