محاولات لإحياء «التحالف الوطني» في العراق

قبل أيام فجّر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قنبلة حين دعا إلى ترميم «البيت الشيعي». دعوة الصدر بدت متناقضة مع إعلانه قبلها بأيام عن عزم تياره الحصول على 100 مقعد في الانتخابات المقبلة مع منصب رئاسة الوزراء. التناقض واضح في كلتا الدعوتين سواء من وجهة نظر خصوم الصدر داخل البيت الشيعي الذي يسعى إلى ترميمه وبين أصدقائه أو المحايدين حيال مثل هذا النمط من الحراك وهم السنة والكرد.
فالرغبة في الحصول على ثلث مقاعد البرلمان تعني بالضرورة إقصاء كتل وقوى سياسية شيعية مؤثرة هي الأخرى ترغب بالحصول على أكبر عدد من المقاعد وربما رئاسة الوزراء أو تساهم في اختيار المرشح لهذا المنصب. وبالتالي فإن الدعوة للترميم باتت تتطلب الإجابة عن أسئلة ربما بدأت صامتة داخل القوى الشيعية نفسها مثل: هل الدعوة إلى الترميم تعني التراجع عن الرغبة أو العزم بالحصول على 100 مقعد ورئاسة الوزراء؟ أم أنها تعني تزعم هذا البيت الذي يحتاج إلى ترميم، لكن طبقاً لرؤى الصدر ومتبنياته؟
القوى الشيعية لم ترد بشكل واضح على دعوة الصدر للترميم لكنها تناقضت فيما بدا أنه حراك لإحياء التحالف الوطني الشيعي السابق الذي انتهى عملياً مع انتخابات عام 2018 حين تشكل تحالفان عابران لم يعمرا طويلا وهما تحالف «الإصلاح» وتحالف «البناء». والسبب الذي أدى إلى انهيار كلا التحالفين أن كتلتين من التحالفين وهما «سائرون» المدعومة من الصدر و«الفتح» بزعامة هادي العامري انسلختا من التحالفين وجاءتا برئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. لكن سرعان ما أسقطت التظاهرات «التشرينية» عبد المهدي وحكومته في وقت انسحبت كلتا الكتلتين من الدفاع عنه (عبد المهدي) وحكومته. وعلى إثر ذلك جاء مصطفى الكاظمي الذي بدا أنه خيار الشارع والفرصة ما قبل الأخيرة قبل الانهيار. الكاظمي قَبِل التحدي ولو بشكل محسوب إن كان على طريق المواجهة مرة والمهادنة أكثر من مرة وصولا إلى الانتخابات المقبلة بقانونها الجديد الذي أربك الجميع وأجبرهم على إعادة حساباتهم.
وحيث تبدو الأحزاب الكردية أكثر استقرارا على صعيد استحقاق الانتخابات الاتحادية برغم مشاكلها داخل الإقليم، فإن القوى السنية حاولت مؤخراً تشكيل جبهة سميت «الجبهة العراقية» بهدف توحيد البيت السني، لكن من منطلق آخر سرعان ما أدى إلى تراجع تلك الدعوة لأنها بدت موجهة ضد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، التي رأت بعض أطراف تلك الجبهة أنه لا يزال غير قادر بحكم السن كونه في أوائل الأربعينات من العمر على تزعم العرب السنة.
الإشكالية دائماً في البيت الشيعي كونه الأكبر بين البيوت المكوناتية (نسبة الشيعة إلى عموم السكان في العراق هي دائما النصف زائد واحد) وهو ما انعكس على التمثيل داخل البرلمان حيث يملك الشيعة نحو 180 مقعداً في البرلمان العراقي المؤلف من 329 مقعداً وهو ما يؤهلهم لاحتكار تشكيل الحكومة لو أرادوا ذلك. لكن كون العراق بلدا تعدديا فإنه يصعب حكمه من قبل طرف واحد أو طائفة واحدة.
داخل البيت الشيعي يبدو زعيم تيار الحكمة وتحالف «عراقيون» عمار الحكيم مختلفا عن الجميع. بل بدا هو الوحيد من زعامات البيت الشيعي من يغرد خارج سرب الترميم أو الإحياء لهذا البيت أو التحالف الذي سبق أن نتج عنه وهو التحالف الوطني. فالحكيم سبق له أن دعا وفي مقال نشر في «الشرق الأوسط» إلى «تحالف العابر للمكونات». الحكيم يرى في هذا التحالف «مدخلاً لإصلاح الواقع السياسي»، فضلاً عن كونه «متغيرا سياسيا كبيرا ومنعطفا استراتيجيا».
ومع أن الدعوة لإحياء التحالف الوطني التي بدت رداً ضمنياً على دعوة الصدر جاءت على لسان النائب في البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون حسين المالكي، فإن قيادياً في حزب الدعوة الذي يتزعم ائتلاف دولة القانون نفى وجود محاولات من هذا النوع. المالكي وفي تصريح له أكد وجود مثل هذه المحاولات، لكن القيادي في حزب الدعوة الذي لم يعلن عن نفسه قال في تصريح مماثل إن «الحديث عن عودة اللجنة السباعية (الشيعية) للتحاور من أجل إعادة بناء التحالف الوطني، غير صحيح، ولا توجد هكذا محاولات».
من جهته، أكد فادي الشمري عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «في الوقت الذي يدعو فيه السيد الحكيم إلى كتلة عابرة يجري العمل الآن بين ترميم البيت الشيعي أو إحياء التحالف الوطني»، موضحاً أن «على العراق ومنظومته السياسية أن يتقدم نحو المشاريع والتحالفات والرؤى الجامعة ضمن مظلة وطنية عمادها المواطنة ونتاجها الدولة القوية الفاعلة المؤثرة ومغادرة المشاريع المكوناتية المغلقة». وأضاف: «علينا ألا نقيس مواقفنا السياسية والاجتماعية بحكم اللحظة السياسية والاجتماعية بل استشراف الآفاق المستقبلية ومقدار انسجامها مع الرؤية الاستراتيجية والمصالح الوطنية الكبرى». وأكد الشمري: «نحن نبحث عن ديمقراطية تحترم الأديان والطوائف وترسخ وترعى التعدد وفق منطق الاحترام والمشاركة وتنتقل بها إلى ثقافة مجتمعية حاضرة ذهنياً وتتحول تباعا إلى سلوك مجتمعي وسياسي قائم».
في السياق نفسه، أكد الدكتور إحسان الشمري رئيس مركز التفكير السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن «دعوة الصدر لترميم البيت الشيعي هو للإعلان رسمياً بأنه هو من أصبح يتزعم هذا البيت، لا سيما أنه يدرك أن العديد من الزعامات الشيعية لم تعد تحظى بالمقبولية في الوسط الشيعي»، مبيناً أن «الصدر يقدم لهم طوق نجاة لكنه لا يرتبط بمسألة ترميم البيت الشيعي بقدر ما هي رسائل إلى القوى الأخرى وبالذات السنية والكردية، حيث يريد أن يقول للجميع إنه الطرف الأقوى الآن».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net