معضلة اعتماد اللقاحات للاستخدام الطارئ

يخشى الباحثون من أن طرح لقاحات مرض «كوفيد – 19» الواعدة قبل الأوان قد يهدد دقة التجارب السريرية الجارية لحسم مدى فعالية اللقاح.
– «فايزر» و«موديرنا»
بعد أن نشرت شركتا فايزر وبيونتيك في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي البيانات الأولية الخاصة بالمرحلة الثالثة من التجارب التي تجريها على اللقاح الذي تنتجه، سعت الشركتان للحصول على موافقة الهيئات التنظيمية لطرح اللقاح بموجب قواعد الاستخدام الطارئ. وفي سابقة لم تحصل إلا في حالات الطوارئ، حصل اللقاح الأربعاء الماضي على موافقة السلطات الصحية البريطانية.
وقالت شركة موديرنا الأميركية في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 إن لقاحها فعال بنسبة 100 بالمائة في المرحلة الثالثة من التجارب. وأظهرت النتائج الجديدة التي شكلت أكثر من 30 ألف مشارك أن اللقاح فعال بنسبة 100 بالمائة في الوقاية من مخاطر لقاح كورونا الشديدة وبنسبة 94 بالمائة في الوقاية من المرض على نطاق واسع وأن النتائج كانت جيدة بما في ذلك العمر والجنس والعرق وأنها ستتقدم بطلب الحصول على إذن استخدام طارئ من إدارة الغذاء والدواء الأميركية وترخيص تسويق مشروط من وكالة الأدوية الأوروبية.
– سرعة تطوير اللقاحات
لقد تم تطوير لقاحين بسرعة مذهلة وإظهار فعالية أولية ملحوظة ليتم اعتمادهما للاستخدام في حالات الطوارئ. ومن المتوقع أن يتبعهما عدد من اللقاحات الأخرى. وهذه اللقاحات التي تمنع عدوى «كوفيد – 19» المصحوبة بأعراض لدى ما يقرب من 95 في المائة من الأشخاص الذين تم تطعيمهم كما تشير البيانات المستمدة من التجارب السريرية للقاحي «فايزر بيونتيك» و«موديرنا»، يجب أن تساعد العالم على العودة إلى الحياة الطبيعية والسفر من دون الحجر الصحي وحضور الأحداث الرياضية الحية وإقامة الأفراح والمناسبات الأخرى.
– لقاحات واعدة
تشترك لقاحات «فايزر» و«موديرنا» في أن كليهما مصنوع من الرنا المرسال (mRNA) حيث تعمل لقاحات mRNA من خلال توفير الشفرة الجينية (الخاصة بالفيروس) لخلايا جسم الإنسان بهدف إنتاج الجسم للبروتينات الفيروسية. وبمجرد إنتاج البروتينات التي لا تسبب المرض يطلق الجسم استجابة مناعية ضد الفيروس مما يمكّن الشخص من تطوير المناعة. ويمكن استخدام mRNA نظرياً لإنتاج أي بروتين، والجانب الإيجابي له، أنه أسهل بكثير في تصنيعه، من تصنيع البروتينات نفسها أو الإصدارات (النسخ) المعطلة والمضعفة من الفيروسات المستخدمة عادة في اللقاحات مثل اللقاح الصيني.
كان مفهوم استخدام mRNA لإنتاج بروتينات مفيدة لمكافحة المرض موجوداً منذ عقود ولكن حتى الآن لم تصل أي لقاحات تستخدم هذه التكنولوجيا إلى هذا الحد في التجارب السريرية. يقول نوربرت باردي اختصاصي لقاح mRNA في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة لدورية The Scientist إن نجاح لقاحات « كوفيد سارس2»: كما يطلق على الفيروس الجديد، جيد حقاً لأبحاث الحامض النووي الريبي لأنه حتى وقت قريب جداً لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأشخاص الذين آمنوا بها. ولدينا الآن فرصة لإثبات فائدتها حقاً في حالة حدوث تفشي فعلية. وأن التغلب على عقبات لقاحات mRNA إثبات مبكر لمفهوم استخدام العلاجات القائمة على الجينات لإنتاج البروتينات اللازمة لمكافحة المرض.
– تحديات التقنية
رغم الآفاق الواعدة لها فإن هناك تحديات مرتبطة بالعمل مع mRNA، ذلك أنه ينتج مستويات منخفضة فقط من البروتينات كما يتحلل الجزيء بسرعة كبيرة جداً داخل الجسم بحيث يصعب جعله مناسباً كعلاج. علاوة على ذلك يمكن أن يطلق الحامض النووي الريبي استجابة مناعية مستقلة عن الاستجابة للبروتين الذي يشفره.
يقول باردي: «إذا قمت فقط بحقن حامض mRNA غريب في البشر أو الحيوانات يمكنك إحداث استجابة التهابية خطيرة جداً». ويضيف: «إن هذه هي آلية دفاع أجسامنا ضد الفيروسات والتي يمكن أن تستخدم إما DNA أو RNA لتخزين معلوماتها الجينية. وبسبب هذه المشاكل كان استيعاب هذه التكنولوجيا بطيئاً».
واختار العديد من العلماء التركيز بدلاً من ذلك على تطوير لقاحات باستخدام الحامض النووي «دي إن إيه»، وهو أكثر استقراراً وأسهل في العمل كما تقول مارغريت ليو رئيسة مجلس إدارة الجمعية الدولية لقاحات ورائدة اللقاحات الجينية وعضوة في المجلس الاستشاري العلمي لمعهد جينر التابع لجامعة أكسفورد الذي طور لقاح «أسترا زنيكا» ضد «كوفيد – 19».
في النهاية من السابق لأوانه تحديد سبب نجاح هذه اللقاحات حتى الآن، وهذه البيانات لمتعلقة بها لا تزال نتائج مؤقتة وغير منشورة. وما زلنا بحاجة إلى الاطلاع على قواعد بيانات الأمان الشاملة المرتبطة بهذه المنتجات. يقول بول أوفيت باحث لقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا إن هناك أيضاً مشكلات يجب حلها مثل المخاوف بشأن الحاجة إلى تخزين اللقاحات في المجمدات خاصة في حالة لقاح «فايزر بيونتيك»، الذي يجب الاحتفاظ به عند درجة حرارة 70 درجة مئوية تحت الصفر لكن يمكن تخزين لقاح الرنا المرسال آخر ضد «كوفيد سارس 2» الذي طورته شركة CureVac الألمانية في درجة حرارة 5 مئوية. إلا أن هذا اللقاح الذي يعتمد على mRNA غير المعدل في المرحلة الأولى من التجربة السريرية، ومع ذلك فإن النجاح المبكر للقاحات mRNA لمكافحة «كوفيد – 19» جعل العلماء متفائلين بشأن مستقبل هذه التكنولوجيا.
– تحفظ الجمهور
أظهرت استطلاعات متعددة أنه في جزء كبير من الجمهور هناك تحفظ عميق على تناول لقاحات «كوفيد» ويرتفع عدم الثقة بشكل خاص بين المجتمعات السوداء واللاتينية في الولايات المتحدة، وهو أمر مقلق نظراً لأن الأشخاص الملونين يصابون ويموتون بمعدل مرتفع بشكل غير متناسب في الوباء. وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث Pew Research Center poll في منتصف سبتمبر (أيلول) أن 32 في المائة فقط من البالغين السود قالوا إنهم بالتأكيد أو ربما سيتم تطعيمهم. ويُعزى هذا التردد جزئياً إلى سوء المعاملة التاريخية لمجتمعات السكان الملونين في كل من قطاعي الطب والبحوث السريرية. ومع ذلك فإن القلق بشأن اللقاحات يمتد عبر المجموعات العرقية والاجتماعية والاقتصادية. وتعتقد هايدي لارسون، مديرة مشروع ثقة اللقاح والأستاذة في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة أنه يجب القيام بالمزيد لتشجيع الناس على الرغبة في التطعيم عندما يحين وقتهم للانضمام. وأضافت أنها تشعر «أننا يجب أن نفعل الكثير فيما يتعلق بإشراك المجتمعات ذات الصلة والحصول على مزيد من المعلومات حول هذه الأنواع المختلفة من اللقاحات».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net