ما المخاوف من أخذ اللقاحات؟

شهدت الأسابيع القليلة الماضية عناوين رئيسية مثيرة حول فاعلية العديد من لقاحات فيروس كورونا الجديد. لكن تغطية هذه الجوانب استندت إلى بيانات صحفية غالبيتها مقتطفات صغيرة من النتائج التي تم اقتطاعها من التجارب السريرية. وسيبدأ طوفان البيانات الحقيقية في الأسابيع المقبلة، حيث تعمل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على تحليل آلاف الصفحات من البيانات الخاصة بلقاح «فايزر – بيونتيك»، وسيكون هناك كثير من الأخطاء وسوء الفهم والتواصل في التغطية، بالإضافة إلى حملات التضليل النشطة على كلا الجانبين لزيادة الضجيج أو نشر الخوف في المجتمع.

تضارب البيانات
شارك في تجربة «فايزر – بيونتيك» 43 ألف مشارك، ورصدت 170 حدثاً، في حين ضمت تجربة «موديرنا» 30 ألف مشارك ورصدت 196 حدثاً. وتمثل هذه الأرقام وسيلة فعالة للحصول على إجابات عاجلة.
من المهم أن نتذكر أنه لن يتم الاعتماد على كل رقم يتم الإبلاغ عنه قبل تحليل كامل لجميع البيانات. وقد قيل إن لقاح «فايزر» فعال بنسبة 95 في المائة و«موديرنا» 94.5 في المائة، وكانت هذه أهم النتائج. ومع ظهور مزيد من البيانات فمن المؤكد تماماً أن التحليلات الأكثر دقة – ولكن من المحتمل أن تكون أقل موثوقية – ستصنع الأخبار، ويتم تقديمها كما لو كانت قوية بالقدر نفسه.
> الفاعلية وفئات الإعمار. منذ بضعة أسابيع، أفاد بيان صحفي لشركة «فايزر – بيونتيك» بأن «الفاعلية لدى البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً تجاوزت 94 في المائة»، إلا أننا لا يمكننا أن نكون متأكدين من هذا بقدر ما نستطيع التأكد بشأن الفاعلية الشاملة للقاح. وعندما تم إصدار مزيد من البيانات حول اللقاح بناءً على تصريح من حكومة المملكة المتحدة في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، أظهرت البيانات أنه لم يكن هناك عدد كافٍ من المشاركين في الدراسة من الفئة العمرية الأكبر سناً (أكثر من 75 عاماً) للتأكد من هذه النتيجة، وهي نتيجة مهمة لا نزال بانتظارها. وقد ينطبق الأمر نفسه على الإحصاءات الأخرى التي سيتم الإبلاغ عنها في الأيام المقبلة.
> المصابون بأمراض مزمنة. على سبيل المثال؛ ما مدى فاعلية اللقاح في الوقاية من العدوى أو حماية الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة من كوفيد؟ وهنا لا بد أن نكون مستعدين لرؤية مجموعة من التقديرات الجديدة للتأثيرات في الأيام والأسابيع المقبلة، بعضها قد يجعل اللقاحات تبدو أقل فائدة في الوقاية من كوفيد مما ورد في التقارير الأولى. وهذه ليست علامة على أن التحليلات الأولى غير موثوقة، بل إن اللقاح كان جيد التحمل وكانت الآثار الجانبية خفيفة أو معتدلة في الغالب، وهو مثال تقليدي لما يسميه العلماء «معلومات الدواء الوهمي». ودائماً ما تكون التفاعلات العكسية للقاحات المصممة للتوزيع على نطاق واسع «خفيفة ومتوسطة في الغالب».
> أعراض سلبية. وقد لا يسبب اللقاح أي آثار خطيرة أو قد يسبب كثيراً منها، ولكن في كلتا الحالتين ستكون ردود الفعل الخفيفة والمتوسطة أكثر عدداً.
ومنذ أشهر، كنا نتلقى هذا النوع من البيانات لجميع لقاحات «كوفيد – 19»، لكن هذا لا يعني أن تجربة أخذها ستكون هي نفسها. فعلى سبيل المثال، أفاد بيان صحافي حول لقاح «فايزر – بيونتيك» بأن معدلات الأعراض السلبية الشديدة كانت أقل من 2 في المائة مع ظهور التعب والصداع بنسب متفاوتة بعض الشيء، وفي المقابل أفاد البيان الصحافي لـ«موديرنا» بمعدلات أعلى من 2 في المائة لمجموعة من الأعراض الشديدة، بما في ذلك التعب والصداع وألم العضلات التي حدثت في ما يصل إلى 9 أو 10 في المائة من أولئك الذين حصلوا على اللقاح.
ومع ذلك ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المشاركين في تجارب كلا اللقاحين لم تكن لديهم أي آثار خطيرة، ولكن تم الإبلاغ عن التهاب في الذراعين والتعب والحمى وآلام في المفاصل والعضلات استمرت ليوم أو يومين. وصحيح أن أياً من إصدارات الدراسة لم يتضمن دليلاً على الآثار الجانبية «الخطيرة» أو «من الدرجة الرابعة» التي تم تحديدها بواسطة مقياس تصنيف إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أنها تلك التي يمكن أن تهدد الحياة مثل الحمى التي تزيد على 40 درجة مئوية أو أي شيء يتطلب دخول المستشفى مثل السكتة الدماغية أو مشكلة ضيق التنفس الحادة. لكن تقرير صحيفة «نيويورك تايمز» يشوبه الغموض، مثل كثير من التقارير الأخرى التي تشير إلى أنه لم تبذل أي محاولة لتجاوز تلك الأعراض السلبية «الشديدة» أو «من الدرجة الثالثة»، وأنها كانت على ما يبدو أكثر شيوعاً للقاح «موديرنا» من «فايزر – بيونتيك»، ورغم أن هذه الأحداث المعاكسة لا تهدد الحياة، فإنها مهمة وفقاً لإدارة الغذاء والدواء. وإذا كانت شديدة فإنها تمنع الأنشطة اليومية وتتطلب مساعدة طبية.

آثار ومضاعفات
> ما الآثار الجانبية؟ في وقت سابق، أكدت إدارة الغذاء والدواء الأميركية فاعلية لقاح «فايزر – بيونتيك»، وقالت الوثائق إن العقار أظهر مستوى مناسباً من الأمان، ولا توجد عقبات أمام استخدامه في حالات الطوارئ، لكن بعد ذلك، ذكر تقرير صادر عن الإدارة ذاتها أن ستة أشخاص توفوا خلال تجارب لقاح لفيروس كورونا طورته الشركة. وأوضح التقرير الصادر في 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي في اجتماع اللجنة الاستشارية للقاحات والمنتجات البيولوجية، أن أربعة من المتوفين الستة تلقوا عقاراً وهمياً واثنين فقط لقحا بالعقار الحقيقي. وكان أحد المشاركين في اختبارات اللقاح مصاباً بالسمنة وتصلب الشرايين توفي بعد ثلاثة أيام من تناول الجرعة الأولى من العقار، وأصيب المتطوع الثاني المتوفى بسكتة قلبية بعد 60 يوماً من الجرعة الثانية. وتوفي من بين المشاركين الذين تلقوا اللقاح الوهمي اثنان نتيجة نوبة قلبية وسكتة دماغية فيما يجري تحديد سبب وفاة شخصين آخرين. ومن بين المتوفين الستة ثلاثة تجاوزت أعمارهم 55 عاماً. وقد شارك في المجموع نحو 38 ألف شخص فوق سن 16 عاماً في هذه الاختبارات.
> ماذا عن الحساسية؟ حذر الدكتور جون راين رئيس وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة (MHRA)، التي أجازت استخدام اللقاح، من أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ من ردود الفعل التحسسية المهددة للحياة تجاه لقاح أو طعام يجب ألا يحصلوا على لقاح فايزر لـ«كوفيد – 19»، بعد أن أصيب اثنان من العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا NHS، من الذين تلقوا اللقاح بردود فعل «سلبية»، لكنها أكدت أن هذين الموظفين اللذين تم إعطاؤهما جرعات في اليوم الأول من برنامج التطعيم الشامل عانا من رد فعل تحسس، إلا أن كلا الموظفين له تاريخ مهم من ردود الفعل التحسسية إلى الحد الذي يحتاجان فيه إلى حمل حقنة الأدرينالين معهما. كما هو مفهوم ظهرت عليهم أعراض «رد فعل تحسسي» بعد وقت قصير من تلقي اللقاح، لكن كلاهما تعافى بعد العلاج المناسب. وقالت الهيئة إن هذا يعني أن أي شخص من المقرر أن يتلقى اللقاح سيتم سؤاله عن تاريخه في الحساسية.
وأضاف راين أن الحساسية المفرطة هي «أعراض جانبية معروفة… ونادرة جداً مع أي لقاح». وقالت مجموعة تضم خبراء في الحساسية والمناعة السريرية: «أي شخص لديه تاريخ من الحساسية المفرطة تجاه لقاح أو دواء أو طعام لا يجب أن يتلقى لقاح (فايزر – بيونتيك)، ولا ينبغي إعطاء جرعة ثانية لأي شخص عانى من الحساسية المفرطة بعد إعطاء الجرعة الأولى من هذا اللقاح، إذ إن الحساسية المفرطة من الآثار الجانبية المعروفة، وإن كانت نادرة جداً لأي لقاح، لكن معظم الناس لن يصابوا بالحساسية المفرطة، كما أن الفوائد في حماية الناس من (كوفيد – 19) تفوق المخاطر». وقال البروفسور ديفيد سالزبوري مدير التحصين السابق بوزارة الصحة البريطانية، إن ردود الفعل هذه لا تكتشف إلا بعد التجارب السريرية.
أما بيتر أوبنشو الرئيس السابق للجمعية البريطانية لعلم المناعة وأستاذ الطب التجريبي في إمبريال كوليدج لندن، فقال إنه من المهم «وضع المخاطر في منظورها الصحيح». وكما الحال مع جميع الأطعمة والأدوية، هناك فرصة ضئيلة للغاية لحدوث رد فعل تحسسي تجاه أي لقاح، ومع ذلك من المهم أن نضع هذا الخطر في نصابه. وقبل ذلك أبلغ عن عدد صغير جداً من ردود الفعل التحسسية في كل من مجموعة اللقاح (0.63 في المائة) والعلاج الوهمي (0.51 في المائة)، وعلى غرار طرح جميع اللقاحات والأدوية الجديدة، تتم مراقبة لقاح «كوفيد – 19» الجديد عن كثب من قبل وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية البريطانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net