بغداد توقع اتفاقاً مع إقليم كردستان بشأن تطبيع الأوضاع في سنجار

وقع رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، اتفاقات بشأن تطبيع الأوضاع لإعادة الأمن والاستقرار إلى قضاء سنجار المتنازع عليه بين بغداد وأربيل، مع وفد حكومة إقليم كردستان في بغداد، أمس، بحضور ممثلي الأمم المتحدة، فيما رحبت الولايات المتحدة الأميركية بالاتفاق، وأعلنت دعمها له. وقال وزير الداخلية في حكومة إقليم كردستان، ريبر أحمد، في مؤتمر صحافي عقده عقب انتهاء اجتماع وفد الإقليم مع الكاظمي، إن «اجتماعات اليوم أثمرت عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع الأوضاع الأمنية والعسكرية والإدارية في سنجار»، مبيناً أن «الجانبين يهدفان إلى عودة الأوضاع إلى طبيعتها في سنجار، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة الاتحادية العراقية، أحمد ملا طلال، في تغريدة على حسابه الرسمي في مواقع التواصل الاجتماعي، إن «رئيس مجلس الوزراء، مصطفى الكاظمي، رعى اليوم اتفاقاً تاريخياً يعزز سلطة الحكومة الاتحادية في سنجار، وفق الدستور، على المستويين الإداري والأمني، وينهي سطوة الجماعات الدخيلة، ويمهد لإعادة إعمار المدينة، وعودة أهاليها المنكوبين بالكامل، بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان».
وأضاف ملا طلال أن «ما فشل به الآخرون، نجحت فيه هذه الحكومة، عن طريق زرع الثقة المتبادلة، وتقديم حسن النوايا، واستناداً إلى إرادة سياسية صلبة نحو إعادة الأمن والاستقرار والإعمار إلى سنجار، وعودة كامل أهلها المنكوبين إلى ديارهم».
وكان قائمقام سنجار، محما خليل، قد قال في تصريح إن «الاتفاق يتضمن إخراج الفصائل المسلحة كافة، وضمنها التابعة لـ(الحشد الشعبي) وحزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه)».
الولايات المتحدة الأميركية، بدورها، هنأت الحكومة العراقية وحكومة الإقليم على الاتفاق المشترك بشأن سنجار، في بيان رسمي جاء فيه: «نحن نتطلع إلى تنفيذ الاتفاق بالكامل. ونأمل في أن يؤدي هذا الاتفاق إلى أمن واستقرار دائم للشعب العراقي في شمال العراق».
ورحبت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) كذلك بالاتفاق بين الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان، في بيان جاء فيه أن «الاتفاق خطوة أُولى مهمة في الاتجاه الصحيح». وأعربت البعثة عن أملها في أن يمهد هذا الاتفاق الطريق لمستقبل أفضل. وعبرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين جينيس بلاسخارت، عن أملها في أن «يكون الاتفاق بداية فصل جديد يصب في مصلحة أبناء سنجار في المقام الأول، وأن تساعد هذه الخطوة النازحين على العودة لمنازلهم، وبدء حملة إعمار تؤدي إلى تحسين الخدمات العامة في المنطقة»، مشددة على «استمرار دعم الأمم المتحدة للمساعدة في تطبيع الأوضاع في القضاء».
ويأتي توقيع الاتفاق وسط مخاوف من أن يصطدم برفض فصائل «الحشد الشعبي» المسيطرة على المنطقة، لما يشكله من تهديد لما يسمى «الهلال الإيراني» الممتد عبر العراق وسوريا إلى لبنان.
وفي هذا السياق، قال داود شيخ جندي، عضو مجلس محافظة نينوى عن سنجار، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن «قضاء سنجار يدار فعلياً من قبل إدارة متطوعة من (الحشد الشعبي) منذ 2017، بعد انسحاب إدارة سنجار المنتخبة إلى دهوك»، مبيناً أن «هذا الاتفاق يأتي بعد ضغوطات من قبل الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين على الطرفين لوضع حل لأزمة إدارة سنجار، وإعادة الاستقرار للمنطقة، للدفع بعودة النازحين، وبدء عملية الإعمار».
وأشار إلى أن «هذا الاتفاق سيكون له تداعيات سلبية أكثر من الإيجابيات، ما لم يتم إشراك الأطراف الموجودة على الأرض كافة في عملية تشكيل الإدارة، واختيار المسؤولين فيها».
وبدوره، قال سامان داود، الصحافي المهتم بشؤن الأقليات، لـ«الشرق الأوسط» إن «مدير ناحية الشمال السابق، خدر رشو درويش، هو المرشح الأوفر حظاً لمنصب قائمقام قضاء سنجار، من بين 3 أسماء مقدمة من حكومة إقليم كردستان للحكومة الاتحادية»، مبيناً أن «مصادر مقربة من رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، أكدت الاتفاق على هذا المرشح بشكل نهائي».
وعن المعارضة المتوقعة لهذا الاتفاق، قال داود إن «هذا الاتفاق سيلقى رفضاً من قبل (الحشد الشعبي) المسيطر على الأرض، كون هذا الاتفاق سيجعل توجهات إيران في المنطقة محل تهديد، فتعيين قائمقام تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتفاق بين الإقليم والمركز، سيشكل ضربة موجعة لهم». وعن التحركات المتوقعة من قبل قوات «الحشد الشعبي» لمنع هذا الاتفاق، قال إن «قوات (واي بي جي) التابعة آيديولوجياً لـ(حزب العمال الكردستاني)، وتعد رسمياً من الفصائل التابعة لـ(الحشد الشعبي)، سوف ترفض هذا الاتفاق بأي شكل، حتى لو وصل الأمر إلى تحرك عسكري ربما يكون سبباً لتقويض الأمن الاجتماعي في سنجار». وبدوره، يرى الكاتب المحلل السياسي سامان نوح أن «أي محاولة لتوحيد إدارة سنجار المنقسمة حالياً، وتشكيل إدارة مشتركة فيها بين بغداد وأربيل، هي خطوة مهمة مرحب بها من قبل أهالي سنجار، بمختلف مكوناتها، من إيزيديين ومسلمين، لكن يجب أن تكون عملية توحيد الإدارة حقيقية، وتضع واقع المنطقة في الحسبان، حتى تساهم فعلياً في إعادة النازحين»، مبيناً أن «أكثر من 75 في المائة من أهالي سنجار لم يعودوا، وأن غالبية من عادوا هم الإيزيدية، ممن رجعوا إلى قرى ومجمعات شمال سنجار، في حين أن المسلمين الذي يشكلون غالبية سكان مركز المدينة لم يعودوا، وكذلك الحال مع مجمعات جنوب المدينة».
وأوضح نوح أن «هؤلاء لا يستطيعون العودة قبل حل مشكلة تعدد السلطات والقوى الأمنية الحاكمة، فهناك الجيش والحشد الشعبي والبيشمركة وقوات مقاومة سنجار القريبة من حزب العمال الكردستاني»، مبيناً أن «(الحشد) هو القوة الرئيسية في المنطقة، إن لم نقل الحاكم الفعلي، ويجب التفاهم معهم في عملية اختيار أي مسؤول إداري جديد، فلا يمكن تصور أن (الحشد) سيتنازل عن المكاسب التي حققها في المنطقة، فوجوده هناك يؤمن الخط الرابط بين إيران وسوريا، في إطار ما يُعرفه بعضهم بـ(الهلال الشيعي) الممتد من إيران إلى لبنان عبر سوريا والعراق».
واستدرك قائلاً: «علينا ألا ننسى أن لتركيا أيضاً طموحات في الوجود في سنجار وتلعفر القريبة، إن لم نقل السيطرة عليها، وبالتالي نحن نتحدث عن صراع إقليمي على المنطقة، وهنا تكمن صعوبة تشكيل إدارة مشتركة يمكنها إقناع النازحين بالعودة إلى مدينة مدمرة تفتقد الخدمات، وليس فيها اقتصاد، عدا التجنيد في صفوف القوى الأمنية المختلفة التي يتصرف كل منها وكأنه دولة بقانون خاص بها».
وكان تنظيم داعش قد اجتاح قضاء سنجار عام 2014، وارتكب مجزرة بحق سكانه، قبل أن تستعيده قوات البيشمركة في العام التالي. إلا أن الجيش العراقي، مسنوداً بـ«الحشد الشعبي»، اجتاح المنطقة جراء التوتر بين الإقليم والحكومة الاتحادية، على خلفية استفتاء الاستقلال عام 2017.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net