خطوات وقائية ضد الالتهابات الرئوية الميكروبية

مع انتشار وباء «كورونا المستجد» بتأثيراته الشديدة والمميتة على الجهاز التنفسي للإنسان، يتوجه اهتمام الأطباء والأفراد إلى اتخاذ خطوات الوقاية من الفيروس الذي لا يوجد دواء أو لقاح مضاد له. وتصبح هذه الخطوات الاحترازية شديدة الأهمية خصوصا لدى مجموعات المرضى المصابين بأمراض الرئة المزمنة.
تؤثر أمراض الرئة المزمنة مثل: مرض الانسداد الرئوي المزمن COPD، والربو Asthma، وتوسع الشُعب الهوائية Bronchiectasis، وداء الرئة الخلالي ILD، والتليف الكيسي الرئوي CF، على العديد من الناس في جميع أنحاء العالم لأسباب بيئية وجينية وسلوكية شتى.
ويكون المرضى الذين يعانون من أحد هذه الأنواع من أمراض الرئة المزمنة، عرضة للعدوى الرئوية التنفسية، بأنواع مختلفة من البكتيريا والفيروسات. وهو الأمر الذي يظهر على هيئة حالات الالتهاب الرئوي Pneumonia. وعند حصولها لديهم، تُؤثر سلباً في كل من: تفاقم الحالة المرضية المزمنة في الرئة لديهم، وضعف قدرات مقاومة الجسم لتداعيات ومضاعفات هذه الأنواع من العدوى التنفسية الميكروبية، ما يعني بالمحصلة بطء عملية تطور الشفاء منها وارتفاع احتمالات حصول الضرر الصحي العميق لها.
وتفيد مصادر طب الجهاز التنفسي أن معظم حالات الالتهاب الرئوي الميكروبي تنشأ عندما يحدث خلل في أداء خطوط دفاع الجسم الطبيعية، إلى الحد الذي يسمح للميكروبات البكتيرية أو الفيروسية بمهاجمة الأجزاء العميقة في الرئتين والتكاثر داخلها.
– أنواع الالتهاب الرئوي
ووفق التقسيم الطبي، ثمة عدة أنواع من الالتهاب الرئوي وفق آلية ومكان الإصابة به. وإضافة إلى الالتهاب الرئوي المكتسب من المجتمع Community – Acquired Pneumonia أو المكتسب من المستشفيات Hospital – Acquired Pneumonia، هناك الالتهاب الرئوي الشفطي Aspiration Pneumonia، الذي يحصل عند استنشاق الطعام أو الشراب أو القيء أو اللعاب (المحتوي على الميكروبات والمواد الكيميائية الحارقة) إلى داخل الرئتين. وهو ما يحصل في الغالب إذا كان ثمة خلل دائم أو مؤقت في سلامة حصول عملية بلع الطعام أو السوائل بشكل طبيعي. وأثناء المحاولات السريعة لجهاز مناعة الجسم في تدمير تلك الميكروبات الدخيلة التي وصلت إلى أعماق الرئتين، تتراكم خلايا الدم البيضاء لتملأ الأكياس الهوائية داخل الرئتين مع البكتيريا والميكروبات الأخرى، ويخرج المزيد من السوائل من الأوعية الدموية إلى أنسجة الرئة، التي عادة ما تكون خالية منها وأشبه بالإسفنجة في نقائها وخفتها. كما تحصل في الجسم أنواع مختلفة الشدة من التفاعلات المناعية.
وحينذاك، وبتراكم تلك المواد والسوائل في الرئة، تفقد الرئة مرونتها وقدراتها التنفسية، وتفقد الأكياس الهوائية داخل الرئتين قدراتها على استيعاب هواء الشهيق وإخراج هواء الزفير، وتضعف كذلك قدراتها على تحقيق عمليات تبادل الغازات. وهو ما بالنتيجة يجعل عملية التنفس شاقة في إجرائها وتتدنى استفادة الجسم منها، ويشعر المريض آنذاك بضيق وصعوبة التنفس Dyspnea.
وبالإضافة إلى ضيق التنفس، يكون السعال آنذاك هو من العلامات النموذجية على حصول الالتهاب الرئوي الميكروبي، الذي قد يكون جافاً أو يرافقه إصدار بلغم سميك يميل لونه إلى البياض أو الاصفرار أو الاخضرار.
ويظهر أيضاً «تدني نسبة الأكسجين في الدم» Hypoxemia كعلامة أخرى على تدني قدرات الرئة في أداء مهمتها لتبادل الغازات فيما بين دم الجسم وهواء التنفس لأخد الأكسجين منه والتخلص من ثاني أكسيد الكربون.
وكجزء من عملية الالتهاب الميكروبي في الجسم، قد ترتفع درجة حرارة الجسم بقيم متفاوتة، وقد يشعر المريض بالقشعريرة، وذلك وفق نوعية الميكروب وكيفية تعامل جهاز مناعة الجسم معه.
علامات وأعراض
وتشير المصادر الطبية إلى أن علامات وأعراض الالتهاب الرئوي قد تتراوح بين الخفيفة والشديدة، وذلك بناءً على عدد من العوامل المتغيرة في ميكروبات العدوى ومستوى حالة المريض الصحية، مثل نوع الجرثومة المُسببة للعدوى، والعمر، والحالة الصحية العامة للمريض. ولذا غالباً ما تتشابه تلك العلامات والأعراض الخفيفة مع علامات وأعراض نزلة البرد أو الإنفلونزا، ولكنها تستمر لفترة أطول. ولكن في بعض الحالات الأشد، قد تشتمل الأعراض على ألم في الصدر عند التنفس، أو السعال، أو التشوش الذهني، أو الشعور بالإعياء والإرهاق، والحمى، وزيادة التعرق، وقشعريرة نفضة الارتجاف، والضعف البدني العام.
وترتفع خطورة تداعيات ومضاعفات الالتهاب الرئوي الميكروبي لدى الأطفال الرضع والأطفال الصغار، والأشخاص الأكبر من ٦٥ سنة، والأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية مزمنة في القلب، أو منْ لديهم ضعف في جهاز المناعة، أو الأشخاص الذين يتلقون العلاج الكيميائي أو الأدوية التي تكبح قوة الجهاز المناعي. كما يُضعف التدخين قدرات الدفاعات الطبيعية في الجسم ضد البكتيريا والفيروسات التي تسبب الالتهاب الرئوي.
ولكن يظل الأهم، هم أولئك الذين يعانون من أمراض تنفسية مزمنة موجودة مسبقاً، بما في ذلك الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن ومرض الرئة الخلالي.
ولأن مرضى المشاكل الرئوية المزمنة أعلى عُرضة للمعاناة المرضية عند الإصابة بالالتهابات الرئوية، يتحتم عليهم الاهتمام بأمرين، الأول: الاهتمام باتباع نصائح الطبيب المعالج من أجل ضمان ضبط استقرار حالتهم المرضية الرئوية المزمنة، بتناول الأدوية وبمراقبة مدى استقرار الحالة التنفسية وبالابتعاد عن المهيجات التي تثير اضطراب الحالة المرضية في الرئة لديهم. وذلك لإعطاء الرئتين وأجزاء الجهاز التنفسي القدرة الأفضل للتعامل مع الالتهابات الرئوية.
والأمر الأخر: الاهتمام الشديد بإجراءات الوقاية الاحترازية من الإصابة بالأمراض الميكروبية أياً كان نوع السبب فيها.
وقاية احترازية
وتشمل الإجراءات الوقاية الاحترازية:
> الاهتمام بغسل اليدين بالماء والصابون بانتظام، وخاصة قبل وأثناء وبعد إعداد الطعام، وبعد السعال أو العطس، وبعد استخدام دورة المياه، وقبل وبعد رعاية شخص مريض، وبعد تغيير حفاضات الطفل، وبعد لمس القمامة. والطريقة الأصح لغسل اليدين هي: توزيع الصابون على اليدين، ثم دعك الراحتين، ثم فرك راحة اليدين مع تشبيك الأصابع، ثم وضع أصابع اليد اليمنى مع راحة اليد اليسرى وفرك ظهر الأصابع، ثم فرك الإبهام براحة اليد، ثم فرك اليد اليمنى بحركة دائرية بحيث تتشبك أصابعها براحة اليد اليسرى، ثم تجفيف اليدين.
> تجنب لمس العينين والأنف والفم.
> تغطية الفم والأنف عند السعال والعطس. وعند العطس، يجدر استخدام المناديل الورقية للعطاس أو الكحة والتخلص منها بأسرع وقت، أو استخدام المرفق عن طريق ثني الذراع. ثم غسل اليدين بالماء الدافئ والصابون لمدة ٤٠ ثانية.
> تجنب الاتصال المباشر مع أي شخص تظهر عليه أعراض أمراض الجهاز التنفسي مثل السعال والعطس.
> ترك مسافة آمنة بين الشخص والأشخاص الآخرين.
> البقاء في المسكن والابتعاد عن التجمعات.
> عند الحاجة القصوى لضرورة التسوق، يجدر الحرص على التسوق في أوقت غير مزدحمة، والحرص على غسل اليدين قبل وبعد التسوق، والحذر من لمس الوجه أثناء التسوق، والحرص على تعقيم مقبض عربات التسوق بالمحارم المعقمة، والحفاظ على مسافة آمنة بينك وبين المتسوقين، والدفع ببطاقة الصراف البنكية، وتعقيم اليدين قبل الخروج من المتجر، وعدم لمس المنتجات التي لن تشتريها، ومسح المعلبات باستخدام المحارم المعقمة، وغسل الخضار والفواكه.
– «الرئة الخلالي»… حالة متقدمة من الندبات الرئوية

> يشمل الوصف الطبي لـ«مرض الرئة الخلالي» Interstitial Lung Diseaseعدداً من الاضطرابات المرضية التي تصيب أنسجة الرئتين وتتسبب بنشوء «ندبات» منتشرة الأماكن ومتنامية الحجم بأنسجة الرئة Scarring Of Lung Tissue.
والندبة هي كتل من الأنسجة الليفية الضامة التي يُنتجها الجسم في بعض مواضع الالتهابات النسيجة بأعضاء شتى من الجسم، وأيضاً في مناطق الجروح الجلدية لسد الشق فيها.
ونشوء الندبات في الرئة، أمر لا رجعة فيه عموماً. وفي نهاية المطاف، يُؤثر انتشار نشوء الندبات في أنسجة الرئتين على مرونة قدرات التنفس وعلي سهولة حصول الجسم على ما يحتاجه من الأوكسجين في الدم Hypoxemia، أي فشل الجهاز التنفسي Respiratory Failure، وارتفاع الضغط الشرياني في الرئتين Pulmonary Hypertension، وضعف الجزء الأيمن من القلب Right – Sided Heart Failure.
والعلامات الرئيسية والأساسية لمرض الرئة الخلالي في الحالات المتقدمة هي: ضيق التنفس أثناء الراحة أو تفاقمه عند بذل مجهود، والسعال الجاف. ولذا عندما تظهر الأعراض، يكون تلف الرئة في الغالب قد حصل بالفعل بشكل لا يمكن إزالته. ما يجعل من الضروري مراجعة الطبيب عند ظهور أول إشارة لوجود مشكلات في التنفس، وخاصة عند وجود عوامل الخطورة التي قد تتسبب بهذه الحالة، من أجل التشخيص المبكر والدقيق لتلقي العلاج المناسب وفي الوقت المناسب.
وتشمل عوامل الخطورة مجموعة من العوامل البيئية والمهنية، مثل التعرض لغبار السليكا Silica Dust وألياف الأسبستوس Asbestos Fibers وغبار الحبوب Grain Dust وروث الطيور والحيوانات، وبعض الأشخاص الذين خضعوا للعلاج الإشعاعي أو الكيميائي لسرطان الرئة أو الثدي، وبعض متناولي أنواع معينة من الأدوية لفترات طويلة.
كما أن هناك حالات مرضية مزمنة تضطرب فيها مناعة الجسم الذاتية Autoimmune Diseases، وقد ينتج عن الإصابة بها مرض الرئة الخلالي، مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid Arthritis، وتصلب الجلد Scleroderma، والتهاب الجلد Dermatomyositis والتهاب العضلات Polymyositis، ومرض النسيج الضام المختلط Mixed Connective Tissue Disease، ومتلازمة شوغرن Sjogren›s Syndrome، ومرض الساركويد Sarcoidosis.
– «الانسداد الرئوي»… محصلة نهائية لأمراض تنفسية مزمنة
> يشير الأطباء من مايوكلينك إلى أن «مرض الانسداد الرئوي المزمن» COPD، مرض التهاب مزمن في الرئة يقوم بإعاقة تدفق الهواء من خلال مجاري التنفس في الرئتين. وأن الأشخاص الذين يعانون منه هم أكثر عرضة للإصابة بمرض القلب أو سرطان الرئة أو الحالات المرضية المختلفة الأخرى. وبالمتابعة الطبية الجيدة في معالجة مرض الانسداد الرئوي المزمن، يمكن للعديد من الأشخاص المصابين به التحكم الإيجابي في تخفيف الأعراض المرضية ورفع جودة نوعية الحياة لديهم بشكل جيد، فضلاً عن تقليل مخاطر الإصابة بالحالات المرضية الأخرى ذات الصلة.
ويضيفون أن أعراض هذا المرض لا تظهر غالباً إلا عندما يحدث تلف كبير في الرئة، نتيجة زيادة سوء الحالة مع مرور الوقت، وخاصة مع الاستمرار في ممارسة التدخين واستنشاق الأبخرة الناتجة عن احتراق الوقود المستخدم في الطهي والتدفئة في المنازل ضعيفة التهوية.
وتعتمد الرئتان على المرونة الطبيعية لأنابيب الشعب الهوائية والأكياس الهوائية لتسهيل دخول الهواء إلى داخل الرئتين ولإجبار الهواء على الخروج منها. وفي حالات داء الانسداد الرئوي المزمن يفقد الجهاز التنفسي مرونته بصورة بالغة، مما يؤدي إلى ترك بعض الهواء محتجزاً في الرئتين عند الزفير.
وأسباب نشوء هذه الحالة النهائية من الإصابة بالمرض هو الإصابة لفترة طويلة بعدة أنواع من الأمراض التنفسية ذات الآليات المختلفة مرضياً ولكن أيضاً ذات التأثيرات النهائية المؤدية إلى هذه الحالة المرضية المزمنة من السدد الرئوي. أي أن مرض الانسداد الرئوي المزمن هو حالة تتطور بشكل تدريجي، وتتراوح بين الخفيف والشديد، وتتميز بإعاقة تدفق الهواء من وإلى الرئتين بشكل لا عودة عنه Non – Reversible Airway Obstruction، مما يجعل التنفس مع مرور الوقت صعباً. وتنجم الحالة بشكل رئيسي عن مرض انتفاخ الرئة Emphysema ومرض التهاب الشعب الهوائية المزمن Chronic Bronchitis.
وفي مرض انتفاخ الرئة يحصل تدمير للجدران الهشة والألياف المرنة في أكياس الحويصلات الهوائية Air Sacs داخل الرئة، وبالتالي تنهار الممرات الهوائية الصغيرة عند الزفير، (أي أنها لا تحافظ على قوامها المتماسك كمجارٍ مفتوحة)، الأمر الذي يضعف تدفق الهواء من الرئتين واحتباس الهواء في داخلهما. أما في حالات التهاب الشعب الهوائية المزمن فتصبح أنابيب الشعب الهوائية ملتهبة وضيقة، وتُنتج الرئتان المزيد من المخاط، الأمر الذي يؤدي إلى انسداد أكبر في مجاري أنابيب التنفس الضيقة.
وطبياً يُعرّف التهاب الشعب الهوائية المزمن، بوجود السعال اليومي، وبصق بلغم المخاط، طوال ثلاثة أشهر على الأقل في العام، لمدة عامين متتاليين.
وبالعموم، تشمل العلامات والأعراض في التهاب الشعب الهوائية المزمن كلا من:
– ضيق في التنفس، وخاصة أثناء النشاطات البدنية.
– الصفير.
– ضيق في الصدر.
– الحاجة إلى تسليك الحلق بالسعال بمجرد الاستيقاظ في الصباح بسبب المخاط الزائد في الرئتين.
– السعال المزمن الذي يُنتج بصق مخاط قد يكون شفافاً أو أبيض أو أصفر أو يميل إلى الاخضرار.
– زرقة الشفتين أو أسفل الأظافر.
– الإصابات المتكررة بعدوى ميكروبية في الجهاز التنفسي.
– استشارية في الباطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net