ما المدى الحقيقي لعدوى الفيروسات التاجية؟

في محاولة لرصد أعداد الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس التاجي الجديد، تخطط منظمة الصحة العالمية لإجراء دراسة منسقة لاختبار عينات الدم بحثاً عن وجود الأجسام المضادة للفيروس. وتقول ماريا فان كيرخوف، التي تساعد في تنسيق عمليات استجابة منظمة الصحة العالمية لفيروس كوفيد 19 ضمن مشروع التضامن الثاني Solidarity II الذي سيشمل أكثر من 6 دول حول العالم في الأيام القادمة، إن معرفة العدد الحقيقي للحالات – بما في ذلك الحالات الخفيفة – سيساعد في تحديد معدل الانتشار ومعدل الوفيات لكوفيد 19 في الفئات العمرية المختلفة. كما سيساعد صناع السياسات على تحديد المدة التي يجب أن تستمر فيها عمليات الإغلاق والحجر الصحي.
— انتشار الفيروس
يمكن أن تساعد اختبارات الأجسام المضادة في إعطاء فكرة أفضل عن الانتشار الحقيقي للفيروس لأنها يمكن أن تكتشف أيضاً ما إذا كان الشخص قد أصيب بالعدوى في الماضي، وذلك برصد وجود الأجسام المضادة التي قد تحميه ضد العدوى في المستقبل.
> اختبار الأجسام المضادة. ويمكن أن يؤدي العديد من مسوحات الأجسام المضادة التي تجري الآن إلى نتائج مبكرة في غضون أسابيع. على سبيل المثال، يقول غاي باتاتشاريا، خبير السياسة الصحية في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة إنه يأمل وزملاؤه في اختبار 5 آلاف شخص في مقاطعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا بحثاً عن أجسام مضادة. وعلى الغرار نفسه أطلق باحثون برئاسة عالم الفيروسات هندريك ستريك من مستشفى جامعة بون بألمانيا دراسة على الأجسام المضادة لألف شخص في منطقة هاينسبيرغ في غرب ألمانيا، وهو موقع أحد أكبر حالات تفشي المرض هناك. وقد استخدموا جدول أعمال منظمة الصحة العالمية للمساعدة في إعداد دراستهم.
يمكن لهذه الدراسات أن تحدد ما إذا كانت الحالات المؤكدة نادرة في الأطفال والمراهقين لأنهم عادة ما يعانون من أعراض خفيفة للمرض، وبالتالي هم أقل عرضة للاختبار، أو لأنهم أقل عرضة للإصابة في المقام الأول. وهذه المعلومات ضرورية لتقرير مدى انتشار الفيروس في المدارس ومراكز رعاية الأطفال. وقد توفر الدراسات أيضاً أدلة حول النسبة المئوية للسكان الذين لديهم بالفعل بعض المناعة ضد الفيروس.
لا يتم الإبلاغ عن أكثر من نصف حالات الأفراد المصابين. وحتى مع الدعم الذي تقدمه وحدة العناية المركزة فإن معدل الوفيات يبلغ حوالي 2 بالمائة. والأمر المقلق هو أن نسبة الحالات التي تحتاج إلى العناية المركزة تصل إلى 5 بالمائة.
إن الإشراف على المريض معقد بسبب متطلبات استخدام معدات الحماية الشخصية والانخراط في إجراءات معقدة للتطهير. ومن المرجح أن تكون معدلات الوفيات بين السكان الأكبر سناً في أنحاء العالم، أكثر منها في مقاطعة هوبي (كما هو الحال في أوروبا)، وكذلك في البيئات منخفضة الدخل حيث تفتقر مرافق الرعاية الصحية متابعة الحالات الحرجة. ولا يوجد علاج متاح حالياً.
ولن يكون اللقاح متاحاً لعدة أشهر. وإن المناهج الوحيدة المتوفرة لدى السلطات الصحية حالياً لوقف هذا الوباء هي تلك الأساليب التقليدية للسيطرة على الوباء، مثل عزل الحالات، وتتبع الاتصال، والحجر الصحي، والإبعاد الجسدي، وإجراءات النظافة.
> قياس انتقال الفيروس. عادة ما تعتمد الدراسات الوبائية على رقم التكاثر الأساسي Ro – basic) reproduction number) وهو العدد النموذجي للعدوى التي يسببها الشخص للأفراد المحيطين به في غياب مناعة شاملة. أما إذا ما انتشرت المناعة ضد الفيروس على نطاق واسع فسيصبح رقم التكاثر الفعال effective reproduction number الذي يرمز له بالحرف Rأقل من Ro. وإذا ما انخفض R إلى أقل من 1 فسيكون لدى السكان «مناعة القطيع» herd immunity وعندها ينخفض الوباء، وهو الأسلوب الذي انتهجته بعض الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة والسويد والولايات المتحدة وكندا. ويمكن الحصول على المناعة بصورة آمنة عن طريق التطعيم فقط. وهنا يستخدم مصطلح «الكبت الوبائي الدائم» sustained epidemic suppression وهو ما يعني تخفيض عدد التكاثر الفعال R إلى أقل من 1 وذلك بمحاولة تقليل الحالات غير المحصنة (الممنّعة) في المجتمع التي تؤثر على انتقال الفيروس، بالحد من أنماط التواصل الاجتماعي، أي بالحد من انتشار العديد من التهابات الجهاز التنفسي من خلال أنماط الاتصال بين الأفراد الحاملين للعدوى والمعرضين للإصابة.
— طرق الانتقال
تُعرف التفاصيل البيولوجية لانتقال الفيروسات التاجية على العموم بعبارات عامة: حيث يمكن أن تنتقل هذه الفيروسات من فرد إلى آخر من خلال قطرات الزفير والعطاس والسعال أو الهباء الجوي (الأيروسول aerosol) أو عن طريق الأسطح الملوثة أو ربما من خلال التلوث البرازي الفموي. ولأجل مقارنة الطرق المختلفة لانتقال الفيروسات التي تتماشى بشكل أوثق مع آثارها على الوقاية اقترح لوكا فيريتي وزملاؤه في بحثهم المنشور في مجلة «ساينس» في 31 مارس (آذار) 2020 أربع فئات:
– أولاً: الانتقال المباشر: وهو انتقال العدوى من فرد لديه أعراض واضحة، إلى الآخرين.
– ثانياً: انتقال قبل ظهور الأعراض: وهو أيضاً انتقال مباشر للعدوى من فرد، قبل أن يعاني الفرد من أعراض ملحوظة.
– ثالثاً: الانتقال بدون أعراض: وهو انتقال مباشر من الأفراد الذين لا يعانون أبداً من أعراض ملحوظة. ولا يمكن إثبات ذلك إلا من خلال المتابعة، حيث لا يمكن من خلال نقطة زمنية واحدة التمييز بشكل كامل بين من يكون بدون أعراض أو من لم تظهر عليه الأعراض في ذلك الوقت.
– رابعاً: انتقال من البيئة: وهو انتقال عن طريق التلوث وليس بسبب انتقال مباشر للعدوى من المصدر حيث إن الجرعة مرت عبر البيئة، كأن تكون عبر الأسطح أو الأدوات الملوثة ويمكن تحديد مسارها عن طريق تحليل الحركات المكانية. ويقر الباحثون بأن الحدود الفاصلة بين هذه الفئات قد تكون غير واضحة، ولكن تم تعريفها على نطاق واسع، حيث إن هذه الفئات لها آثار مختلفة على الوقاية والاستجابة بشكل مختلف للتدابير التقليدية لعزل الحالة وعزل الاتصالات. ومن خلال توجيه التوصيات إلى الأشخاص المعرضين للخطر فقط يمكن احتواء الأوبئة دون الحاجة إلى الحجر الصحي الجماعي (عمليات الإغلاق) التي تضر بالمجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net