«بالمحبة نواجه التنمر»… مبادرة جديدة في السعودية

يعرف التنمر، بوجه عام، بأنه ممارسة العنف والسلوك العدواني المتعمد من فرد أو مجموعة تجاه فرد آخر بغرض فرض السيطرة والهيمنة عليه، سواء كان هذا السلوك العدائي لفظياً أو جسدياً أو بالإشارات والإيحاءات. وقد يحدث التنمر مرة واحدة، أو يتكرر لعدة مرات، أو يستمر طوال الوقت.
وضمن مبادرة رفع مستوى الوعي حول ظاهرة التنمر بجميع أنحاء المملكة، قامت شركة «سن توب»، الرائدة في المبادرات الاجتماعية، بتنظيم مسابقة فنية للرسم (نجم العام 2019) على مستوى مدارس المملكة، وكان عنوان هذا العام «بالمحبة نواجه التنمر»، من زاوية نشر المحبة وتوعية المجتمع بظاهرة التنمر بالمدارس.
دراسات وإحصاءات
استضافت «صحتك» أحد المهتمين المتخصصين في أبعاد هذه المشكلة وحلولها، غدير مصلي، الاختصاصية الاجتماعية والاستشارية الأسرية ببيت الخبرة «ذات» للاستشارات النفسية والأسرية. في البداية، فسرت معنى كلمة «التنمر»، وأن أصلها «نَمِرَ» الشخص، أي غضب وساء خلقه وتصرف كالنمر. والتنمر إما أن يكون مباشراً، وهو السلوك الظاهر الملموس مثل الضرب أو الشتم، أو غير مباشرٍ يتم بالإيماءات والإيحاءات، كرفض المتنمر رغبة المتنمر عليه في الخروج من المكان، أو أخذ بعض المتعلقات الشخصية، أو أن يتم حتى بنشر الشائعات.
ووفقاً لدراسة بحثية أعدها مركز الملك عبد الله للأبحاث، وُجد أن نسبة التنمر في السعودية تبلغ 47 في المائة عند الأطفال، و25 في المائة عند المراهقين.
ووفقاً لتقرير أصدرته «اللجنة الوطنية للطفولة» بالمملكة، فإن 57.1 في المائة من الفتيان، و42.9 في المائة من الفتيات، يعانون من التنمر بالمدارس السعودية. وأظهرت دراسة مسحية أعدها برنامج الأمان الأسري بوزارة الحرس الوطني بالسعودية، بالتعاون مع وزارة التعليم، حول العنف بين الأقران (التنمر)، أن نحو 32.9 في المائة من الطلاب يتعرضون للعنف من الأقران أحياناً، و15 في المائة من الطلاب يتعرضون باستمرار. وقام برنامج الأمان الأسري الوطني (المؤسس الأول لمشروع الوقاية من التنمر) بإبرام اتفاقية تعاون مع اللجنة الوطنية للطفولة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) للتنسيق لإطلاق المشروع الوطني للوقاية من التنمر بمدارس التعليم العام، الذي يستهدف إعداد برنامج تدريبي يتم تطبيق مكوناته وبرامجه دورياً في المدارس، إلى جانب برامج توعية مدرسية وأسرية ومجتمعية.
أنواع التنمر
كيف تبدأ عملية التنمر؟ أوضحت الاختصاصية غدير مصلي أن عملية التنمر تبدأ عادة من أحد الأقران، ويطلق عليه «المتنمر»، تجاه الطفل الضحية، ويطلق عليه «المتنمر عليه»، بوجود شهود في الغالب لتعزيز القوة وفرض السيطرة والهيمنة؛ أو أن تبدأ العملية من أحد الكبار، سواء الوالدين أو المعلمين، تجاه الطفل الضحية، بوجود شهود، ثم تنتقل هذه العملية إلى تنمر من أحد الأقران ضد الضحية.
أما في عصر التقنية، فتعتبر ألعاب القتال والعنف الإلكترونية أحد أقوي أسباب ظهور التنمر.
وانتشار ثقافة اضرب من يضربك، أو من يأتون من بيئة عنيفة تتعامل بالعنف، هو من المسلمات التي تواجه بالمستوي الثقافي للأسرة لتعزيز الرد على العنف بالعنف، رغبة في تقوية شخصية الطفل، خاصة الذكور.
أما أنواع التنمر، فتشمل:
– التنمر الجسدي: وهو شكل من العدوان، يمارسه المتنمر جسدياً على المتنمر عليه بالضرب أو الركل أو الاحتكاك، مع عدم وجود توازن للقوة. وعادة، يحدث للأقران الأقل قوة جسدياً أو عقلياً، وقد ينتج عنه بروز أو كدمات أو بعض الآلام الموجعة، ويسعى المتنمر عليه دائماً إلى إخفائها عن الوالدين.
– التنمر اللفظي: يكون عادة بالسباب والشتم والتهديد، أو التعليق المتهكم المتكرر، أو بإطلاق لقب أو صفة غير مستحبة على المتنمر عليه، مما يفقد المتنمر عليه ثقته بنفسه لزيادة السيطرة والهيمنة من قبل المتنمر.
– التنمر الاجتماعي: وهو استبعاد المتنمر عليه من الانخراط مع مجموعة الأقران، وينتشر هذا النوع بين فئة الفتيات أكثر منه عند الصبيان، وعادة ما يتم الاستبعاد على أساس الشكل أو الملبس.
– التنمر الإلكتروني: وهو تعمد إيذاء الآخرين بالسب أو الاستيلاء على الحسابات الشخصية، أو التهديد إلكترونياً عن طريق الألعاب الإلكترونية أو البريد الإلكتروني، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «يوتيوب» أو «سناب شات»، بانتحال الشخصية أو نشر الإشاعات عن المتنمر عليه أو ابتزازه بنشر أسراره. وجدير بالذكر أن المعجبين والمؤيدين لهذا النوع من التنمر بالتأييد أو بالإعجاب أو بإعادة نشر ما كتب يُعتبرون أيضاً من المتنمرين، وهو جزء مهم من استمرار عملية التنمر.
وبالإشارة إلى أحدث الإحصائيات من موقع «مبادرة العطاء الرقمي»، وهي مبادرة سعودية من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بخصوص التنمر الإلكتروني، يتضح أن 18 في المائة من الأطفال والمراهقين قد تعرضوا للتنمر، بواقع 7 من كل 10 مستخدمين للإنترنت من كل الفئات العمرية.
– التنمر تجاه العلاقات الشخصية أو العاطفية: ينتج هذا التنمر نتيجة الإعجاب بالشخصية، أو الشعور بمشاعر عاطفية تجاه شخص، سواء كان ذلك في مرحلة المراهقة داخل المدارس أو في البيئة الاجتماعية، أو حتى مع الكبار في بيئة العمل. وفي حال عدم تبادل المتنمر عليه هذا الشعور، يبدأ المتنمر بممارسة التنمر، إما لإخضاع الطرف الآخر للعلاقة أو للانتقام منه.
الأسباب
ترى الاختصاصية غدير مصلي أن التنمر ظاهرة شائعة جداً، رغم إلقاء الضوء عليها، وكثرة ما ينتج عنها من مشكلات اجتماعية ونفسية ومدرسية أكاديمية. وكأي ظاهرة، فللتنمر أسبابه، ونذكر منها ما يلي:
> التنشئة الاجتماعية الخاطئة: ففي العادة، يخلط الوالدان بين التربية الحازمة والتربية المتسلطة التي تمارس العنف على الطفل، وتخضعه لجميع الأوامر، مما يجعل هذا الطفل قنبلة موقوتة، يمارِسُ على الأقران ما يمارَس عليه من الوالدين، أو أن يصبح ضحية سهلة بسبب ضعف الشخصية والخوف الشديد، والانصياع الدائم للأوامر لمن هم أكبر أو أقوى منه. وقد يكون أسلوب التربية المهمل أحد أسباب ظهور هذه الشخصية بسبب قلة الضبط، مهما أساء الطفل التصرف، مما يجعله يأمن العقاب.
> الاضطرابات الأسرية: إن ما تمر به الأسرة من مختلف عوامل التفكك الأسري، كالطلاق والعنف الأسري والفقر، يجد الطفل صعوبة في التعامل معه، ويكون له دور رئيسي في تكوين أسباب نفسية لدى هذا الطفل، مثل الشعور بعدم الأمان، مما يخلق لديه شخصية عدائية متنمرة يستخدمها كوسيلة للتعبير والتنفيس عن الإحباط الذي يعيشه.
> تحول المتنمر عليه إلى متنمر: فكردة فعل، يقوم المتنمر عليه بالتنمر على أقران آخرين، في محاولة منه لإثبات شخصيته وإظهار قوته ورد اعتباره. ويعتبر ذلك سبباً من أسباب انتشار التنمر في البيئة المدرسية، وغالباً ما يغفل عنه المعلمون، خاصة إن أساء المعلم استخدام سلطته لتأديب الطفل أو توجيهه بطريقة غير تربوية.
> التفوق والشعبية: فمما يعزز التنمر في بيئة المدرسة أن يكون للطالب شعبية بين المعلمين والأقران بسبب ذكائه الدراسي، أو الذكاء الاجتماعي للفتيات مثلاً، أو لمهارات كالشهرة في لعبة كرة القدم للذكور مثلاً، أو وجود أخ أكبر في المدرسة نفسها، خاصة إن كان يملك أيضاً شعبية.
آثار التنمر
للتنمر آثار نفسية واجتماعية وأكاديمية كثيرة على الطفل بسبب خصائص النمو المرحلية، وعدم قدرته على التعامل مع التنمر، كأن يميل هو الآخر للعنف، فيمارس التنمر على من هم أقل منه قوة. وقد نجده متغير المزاج عصبياً أو غاضباً.
وقد يعاني من فقدان الشهية أو من زيادتها، أو انسحابه من المحيط، وعدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة، وانخفاض مستواه الدراسي بسبب الخوف والقلق. وقد تبدو الحالة من دون أسباب واضحة للأسرة، أو وجود بعض الأعراض الجسدية – النفسية، كالصداع وألم المعدة وبعض الآلام الجسدية، وقد يميل إلى الرغبة في الوحدة والانعزال والانسحاب من النشاطات الاجتماعية المدرسية خاصة. ومن الممكن أن يزيد الأمر سوءاً، فيعاني من الاكتئاب والرغبة في الانتحار.
التنمر في المدرسة
تضيف الاختصاصية غدير مصلي أن من الأماكن الشائعة التي يُرصد فيها التنمر «بيئة المدرسة»، ويكون التنمر فيها بأفعال سلبية متعمدة من جانب تلميذ أو أكثر لإلحاق الأذى بتلميذ آخر، يتم بصورة متكررة أو طوال الوقت.
ويمكن أن يكون فعل التنمر هنا «لفظياً»، كالشتم أو التهديد والإغاظة، وقد يكون «جسدياً»، مثل الضرب أو الركل أو الاحتكاك، أو حتى من دون استخدام الكلمات، كالتكشير أو الإشارات غير اللائقة، ويتعمد عزله عن المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته، كما عرفه العالم دان أولويز (Dan Olweus)، مؤسس أبحاث التنمر.
كيف تكتشف الأسرة أن ابنها متنمر عليه؟ هناك بعض العلامات التي تساعد الوالدين في معرفة إن كان طفلهما يمارس عليه التنمر، مثل الكدمات والجروح أو الخدوش التي لا يستطيع تفسيرها، أو إذا عاد بقطع في الملابس أو الكتب، أو بفقدان أشيائه الشخصية أو تمزقها، والرغبة الدائمة في الغياب عن المدرسة، والكذب وخلق الأعذار والمبررات إذا تراجع أداؤه الدراسي، أو ممارسته العنف على إخوته.
– استشاري طب المجتمع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net