طهران تتجنب المواجهة مع مقتدى الصدر

من بين زعامات الخط الأول الشيعية في العراق، يعدّ زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر هو الأكثر وضوحاً في التعبير عن مواقفه، وتسعى كل القيادات العراقية؛ الرسمية منها والدينية، إلى التعامل مع إيران من منطلق أنها دولة جارة، وصديقة أحياناً، توضع في ميزان واحد مع علاقات العراق مع دول الجوار العربية والإسلامية مع الإبقاء على مسافة مفتوحة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية بوصفها الدولة الأكثر ارتباطاً بالعراق بعد أن احتلته عام 2003، وتغيير نظامه السياسي والمجيء بكل الطبقة السياسية الحالية بديلاً لنظام صدام حسين.
وفي حين لا تخفي أطراف شيعية عمق علاقتها مع إيران، مثل «تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري، و«ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، فإن الصدر يحاول دائماً أن يضع ما يعدّه أولوية عراقية في سياق علاقاته مع الآخرين؛ سواء أكانوا دولاً عربية أم أجنبية، مع رفضه التام الوجود الأميركي في العراق.
رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي لا ينتمي إلى الإسلام السياسي، يحاول من طرفه تأسيس علاقات جديدة للعراق تأخذ طابع التوازن مع الخارج؛ بما في ذلك مع إيران والولايات المتحدة الأميركية. ومع أن خطوات الكاظمي ليست مرغوباً فيها من قبل الأطراف القريبة من طهران، فإن زعامات بارزة، مثل الصدر وعمار الحكيم وحيدر العبادي، ينظرون إلى خطوات الكاظمي من منطلق قدرتها على ضبط إيقاع هذه العلاقات بما يحقق مصالح متوازنة مع الخارج مع استمرار انتقاده في ملفات الداخل؛ ومنها الأزمة الاقتصادية وطريقة تعاطيه مع ملف الانتخابات والإصلاحات.
وبالنسبة للكاظمي، الذي يبدو عليه الآن أنه بصدد مواجهة قد تكون مفتوحة مع الفصائل المسلحة المقربة من إيران، فإن دعوة الصدر الأخيرة إيران إلى إبعاد العراق عن صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية، جاءت في مصلحته؛ لأنه الآن بحاجة إلى دعم ولو ضمني من زعيم بحجم الصدر وكتلته «سائرون» التي هي الكبرى في البرلمان ولديه جمهور في الشارع هو الأقوى بين كل الأحزاب والقوى السياسية الأخرى.
دعوة الصدر التي ردت عليها إيران رداً موارباً، جاءت في مرحلة بالغة الحرج بالنسبة لطهران؛ لكنها في الوقت نفسه تمثل فرصة ذهبية للكاظمي في إطار محاولاته تثبيت الهدنة الهشة بين طهران وواشنطن عبر الفصائل المسلحة في العراق، لا سيما أن إيران بدت في حل من التزاماتها حيال هذه الفصائل؛ الأمر الذي يمكن أن يجعل من دعوة الصدر الدعوة العملية الأولى التي ستتعامل معها إيران بجدية.
مع ذلك؛ فإن رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، على تغريدة الصدر لم يكن واضحاً أو مباشراً؛ ففي معرض جوابه عن سؤال حول دعوة الصدر، جاء رده مخاتلاً إلى حد كبير، قائلاً إن «المنشآت الدبلوماسية الإيرانية لدى العراق تعرضت في وقت سابق إلى الهجوم»، داعياً الدول المجاورة إلى «القيام بدورها في مواجهة (تمرد) البيت الأبيض». وأشار إلى أن «إيران لم تحل مطلقاً خلافاتها في منطقة أخرى، والعكس ليس صحيحاً»، مبيناً أن «الولايات المتحدة جعلت الدول المجاورة قواعد لانعدام الأمن ضد إيران». وقال زاده: «لقد طلبنا مراراً وتكراراً من الدول المجاورة والصديقة أن تقوم بواجبها في مواجهة تمردات نظام البيت الأبيض، رغم أنه ليس لدينا شك في دفاعنا الشرعي بموجب ميثاق الأمم المتحدة»، حسب تعبيره. وحيث يبدو هذا الرد بعيداً إلى حد كبير عن مضمون دعوة الصدر، فإنه يؤكد من جانب آخر أن طهران الرسمية لا تود الاحتكاك المباشر مع الزعامات الشيعية المهمة؛ ولعل في المقدمة منهم مقتدى الصدر.
وإذا كان الرد الرسمي الإيراني على دعوة الصدر موارباً، فإن أغلب المواقع الإخبارية الإيرانية عدّته «رداً حازماً». وعدّت صحيفة «آرمان ملي» المؤيدة لسياسات حكومة روحاني، أن بيان الصدر «ذو وجهتين، ومضمونه متناقض» و«جزء من الخطوات الغامضة لمقتدى الصدر». بدورها، رأت صحيفة «إيران» الحكومية أن بيان الصدر جاء بعد مواقف من المسؤولين الأميركيين وجهت أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء الهجوم على مقر السفارة الأميركية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net