ريبورتاج – العراق: الثورة والعود والشعر المسرود في شارع أبو الطيب المتنبي ببغداد

ريبورتاج – العراق: الثورة والعود والشعر المسرود في شارع أبو الطيب المتنبي ببغداد إعلان اقرأ المزيد <![CDATA[.a{fill:none;stroke:#9a9a9a;stroke-width:2px}]]>

شارع لا يتجاوز طوله كيلومترا ولكن صيته كبير داخل العراق وخارجه. يبدأ هذا الشارع المطل على نهر دجلة بتمثال الشاعر العباسي أبي الطيب المتنبي (915‑965 م)، وينتهي عند شارع الرشيد الذي يقع في حي شعبي قرب ساحة معروف الرصافي (1875-1945)، شاعر وأكاديمي كردي اشتهر بمؤلفاته الأدبية والشعرية.

وعلى تمثال المتنبي الذي يعانق سماء بغداد الصافية نقش بيته الشعري الشهير "الخيل والليل والبيداء تعرفني / والسيف والرمح والقرطاس والقلم". ويعد الشارع من أقدم وأعرق الشوارع العراقية إذ يعود تاريخه إلى العصر العباسي. وبات يحمل اسم المتنبي عام 1932 في عهد الملك فيصل الأول، كما يقول لفرانس24 الباحث زين أحمد الخشبندي الذي خصص كتابا كاملا لتاريخ هذا المكان وكل ما يجاوره.

يرى شارع المتنبي على أنه ملاذ آمن للمثقفين العراقيين والأجانب. يقصده كل يوم جمعة عشرات الآلاف من الناس بحثا عن كل أنواع الكتب والمجلدات المفروشة على أرصفة الشارع والتي تباع بأسعار معقولة. حتى أصحاب المكتبات ودور الطباعة يفرشون كتبهم المتنوعة، بينما يتجول بين بناياته القديمة موسيقيون يعزفون أغان شعبية عربية على أنغام الناي والعود والكمان.

قرب تمثال المتنبي، على بعد أمتار قليلة من نهر دجلة، يقف الشعراء والأدباء، وآخرون مغمورون، يلقون أشعارهم بصوت عال لعلهم يجذبون المارة.

لكن في الأشهر الأخيرة، أصبح الموضوع الأساسي هو ثورة "أكتوبر"، كما يصفها المتظاهرون العراقيون والتي وحدت للمرة الأولى جميع المواطنين على نفس المطالب، حسب الشاعر والكاتب الشاب أدهم عادل الذي أهدى العديد من قصائده لهذه الثورة معتبرا ذلك "واجبا وطنيا".

التقينا به في مكتبته التي تقع في زقاق صغير مظلم قرب شارع المتنبي، فأوضح لفرانس24 كيف يرافق الشعر الثورة ويعطيها زخما كبيرا من أجل إنجاحها، وقال "كشاعر وكعراقي، يتوجب علي مساندة هذه الثورة لأنها ثورة لمحاكمة الطغمة الفاسدة ولتجديد الهوية الوطنية. نحن نعاني منذ 16 عاما من أزمة وعي طائفي ونحلم بمجتمع مدني غير مسيّس ومستقل". مضيفا "الثورة العراقية الحالية جاءت كجزء من الأمل. وهو آخر ضوء شمس يشرق على بلدنا كون أنه لم يسبق أن عرفنا، على مدى التاريخ، ثورة موحدة ومتكاملة مثل تلك التي نعيشها حاليا".

وعندما سألناه عن الدور الذي لعبه هو شخصيا، بوصفه شاعرا، في الثورة العراقية أجاب" أنا متواجد يوميا في ساحة التحرير حيث ألقي قصائدي لتحفيز الجمهور على الاستمرار في التظاهر ولكي نتذكر شهداءنا وتاريخنا. أنا كشاعر شعبي، مسؤوليتي الوطنية أن أهتف بموهبتي وقصائدي الشعرية من أجل وطني. وهذا ما أقوم به فعلا منذ 70 يوما في التحرير".

أدهم عادل، شاعر عراقي لفرانس٢٤ :"شارع المتنبي ببغداد مهم وأساسي في دعم الثورة. فهو ينادي بالحرية منذ سنين ويضخ الوعي والنضج السياسي في عقول العراقيين الثائرين" #العراق pic.twitter.com/QXs4ZeUZ5U

— Tahar Hani (@taharhani) January 18, 2020

عانى عادل من مضايقات أمنية كثيرة. وقد اقتيد مرات عديدة إلى مراكز الشرطة للمساءلة، فيما يخضع هاتفه للمراقبة. لكنه رغم كل التهديدات لم يبتعد عن الثورة واستمر في تغذيتها بكلمات ثورية وقصائد حماسية. ولم يحتج إلى جهد كبير ليجد الكلمات. يقول هذا الشاب الموهوب "يكفيني أن أقف في ساحة التحرير وأشاهد أسماء الشهداء والأمهات اللواتي يبكين عليهم لكي تنزل الكلمات من السماء"

ويضيف "شارع المتنبي جزء مهم وأساسي في دعم الثورة. فهو ينادي بالحرية ويعارض الطبقة السياسية الفاسدة منذ سنين، فضلا أنه يضخ الوعي والنضج السياسيين في عقول العراقيين".

"العود سلاح المحبة والسلام"

غادرنا أدهم عادل لنواصل التجول في شارع المتنبي حيث تمتزج أصوات باعة الكتب والمارة، في حين يمكن سماع نغمات ناي حزين من بعيد. وفي طريقنا، التقينا بسام وافي حنش (26 عاما) من مدينة الصدر حاملا عوده على كتفه.

اتجهنا إلى مقهى الرشيد الذي كانت تعج ساحته الواسعة بالمثقفين الذين يعلقون عما يحدث في العراق. وهنالك قال بسام لفرانس24 "جئت هنا مع صديقي لأن بداخلنا رغبة في تغيير الأجواء. لقد تعبنا من السياسة والقتل والعنف. جئت بالعود لكي أعزف قليلا وأرتاح بعد أن شاركت في جميع المظاهرات التي نظمت في بغداد منذ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019. كان هناك قناصة "يصطادون" الشباب من شباك العمارات. رأيت شبانا قتلوا أمام عيني في عمر الورود. ورغم ذلك مازلت أشارك في كل المظاهرات وسألتحق بساحة التحرير بعد قليل لنطالب بحقوقنا علما أن الدولة لم تستجب لنا لحد الآن".

بسام وافي حنش، عازف على آلة العود في شارع المتنبي ببغداد " الموسيقى تغذي الثورة وتعطي لها زخمًا كبيرًا" #العراق pic.twitter.com/EhwkOvUzGK

— Tahar Hani (@taharhani) January 18, 2020

وينظر بسام إلى الثورة العراقية على أنها "ثورة أناس بسطاء يبحثون عن أدنى حقوقهم وثورة شبان صغار لا تتعدى أعمارهم 18 سنة يريدون العيش في أمان، لكن السلطة تقابلهم بالقتل". ويتساءل بسام" لماذا؟ وماذا فعلوا لكي يستحقوا مثل هذا الرد العنيف؟".

وعن سؤال "كيف تخدم الموسيقى الثورة العراقية؟" أجاب قائلا" نحن نقول بواسطة الموسيقى بأننا سلميون وناس بسطاء بدون سلاح.. وبلا عنف. طبعا أنا أستخدم العود كسلاح لكنه هو سلاح المحبة والسلام. وحين نأتي إلى شارع المتنبي، فنريد فقط أن نتنفس قليلا بالرغم من أن هموم الثورة غير بعيدة من قلوبنا".

تركنا خلفنا صوت العود الشجيّ، واتجهنا إلى مكتبة شوقي عبد الأمير التي تقع قرب مقهى الرشيد وطرحنا على صاحبها سؤالا: لو كان أبو الطيب المتنبي حيا هل كان سيشارك في الثورة العراقية؟ الإجابة لم تكن بالسهلة لهذا الشاعر المولود في مدينة الناصرية (جنوب العراق) والذي شارك في عملية تعريب النظام الدراسي الجزائري في السبعينيات خلال عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.

يقول شوقي لفرانس24 "المتنبي كان يبحث عن السلطة. عرفناه عبقريا في أدائه الشعري لكن لم نعرف عنه أية علاقة مع حركة ثورية عدا، ربما بعض الشكوك التي تفيد بأنه كان لديه علاقة بثورة القرامطة، وهي أول ثورة علمانية في تاريخ الإسلام قبل ألف عام، لكن لم أجد ذلك في شعره".

شوقي عبد الأمير شاعر عراقي #بغداد pic.twitter.com/v8GHRqYbpw

— Tahar Hani (@taharhani) January 18, 2020

ويضيف هذا الشاعر أنه ساند "الاحتجاجات العميقة التي هبت من أعماق الشعب" في بدايتها وخصص لها مقالات وافتتاحيتين في مجلة "بين النهرين"، لكنه رفض توظيف الشعر لمساندتها لأن الشعر حسب رأيه "حالة تراكمية واختمارية تتفجر في لحظات". وأضاف "لا أزال أساند الاحتجاجات لكن بحذر كون أن عناصر أجنبية دخلت في الخط إضافة إلى بعض المكونات السياسية التي كانت أصلا متهمة بالفساد والآن تحاول أن تعود وتلتف على الثورة وتأخذ نصيبها منها".
ولا يؤمن شوقي اللمين بوجود علاقة مباشرة ومترابطة بين الشعر والثورة العراقية كما يعتقد شعراء آخرون التقت فرانس24 بهم لأن "الشعر لا يمكن أن يوظف سياسيا مهما كان الحقل. فهو يختمر مثل البترول خلال سنوات ليتفجر في لحظة معينة من حياة الشاعر".

الساعة تشير إلى الثانية بعد الظهر. المارة يغادرون شارع المتنبي. بعضهم يعودون إلى منازلهم والبعض الآخر يتجهون إلى مقهى "الشابندر" الذي يقع في شارع القشلة، حيث كان يتواجد ديوان الحكومة أو ما يسمى (السراي) في عهد الدولة العثمانية.

هذا المقهى الشهير الذي تأسس نحو عام 1917 تعرض لهجوم إرهابي بسيارة مفخخة في 5 مارس/آذار 2007، ما أدى إلى مقتل 30 شخصا من بينهم ثلاثة من أولاد الحاج محمد الخشالي المالك الحالي للمقهى الذي شهد زيارات شخصيات عراقية وأجنبية مرموقة أمثال الملك فيصل، أحد ملوك العراق، وعبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق سابقا (نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات) ورؤساء وملوك أجانب آخرين.
طاهر هاني

selfpromo.newsletter.titleselfpromo.newsletter.text

selfpromo.newsletter.link.label

selfpromo.app.text

<![CDATA[.cls-1{fill:#a7a6a6;}.cls-2,.cls-6{fill:#fff;}.cls-3{fill:#5bc9f4;}.cls-4{fill:url(#linear-gradient);}.Graphic-Style-2{fill:url(#linear-gradient-2);}.cls-5{fill:url(#linear-gradient-3);}.cls-6{stroke:#fff;stroke-miterlimit:10;stroke-width:0.2px;}]]>google-play-badge_AR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net