قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إن بلاده تعارض إرسال «مرتزقة» إلى ليبيا، محذّراً من مغبة هذا الأمر، علماً بأن تقارير عديدة تشير إلى أنها أرسلت «مرتزقة سوريين» للقتال إلى جانب قوات حكومة «الوفاق» في طرابلس. وجاء كلام الوزير بعد ساعات من تصريحات للرئيس رجب طيب إردوغان، عن بدء إرسال قوات تركية إلى ليبيا، قائلاً إنه «سيكون لدينا فرق أخرى مختلفة كقوة قتالية وأفرادها ليسوا من جنودنا».
لكن جاويش أوغلو، في تصريحاته أمس، نفى أن أنقرة ترسل مقاتلين من الفصائل السورية الموالية لها إلى ليبيا، قائلاً إن حكومة «الوفاق» الليبية نفت صحة تلك الأنباء، وإن المعلومات الموجودة لدى تركيا تؤكد عدم ذهاب عناصر من «الجيش السوري الحر» إلى هذا البلد.
كانت تقارير لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، وكذلك تقارير من جهات مختلفة، قد أشارت إلى أن تركيا ترسل عناصر من الفصائل السورية الموالية لها للقتال إلى جانب قوات حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، ضد قوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر. وحسب هذه التقارير، فتحت تركيا نقاط تجنيد في المناطق الخاضعة لسيطرتها والفصائل الموالية لها في الشمال السوري لإرسال المقاتلين مقابل راتب يتراوح بين 1800 و2000 دولار، وأنه تم إرسال ما يزيد على ألف منهم إلى ليبيا بعد توقيع مذكرة التفاهم للتعاون العسكري والأمني بين تركيا وحكومة السراج في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في جمهورية جنوب السودان أوت دينق أشول، في أنقرة، أمس (الاثنين)، إن تركيا سعت منذ البداية للمساهمة في «إحياء المسار السياسي» في ليبيا.
وتناول وزير الخارجية التركي تصريحات إردوغان في مقابلة تلفزيونية ليلة الأحد – الاثنين، والتي قال فيها إنه «ستكون لدينا فرق أخرى مختلفة كقوة قتالية، وأفرادها ليسوا من جنودنا»، فقال إن تصريحات الرئيس التركي «واضحة في الأساس، فعند النظر إلى مذكرة التفاهم المبرمة مع ليبيا سنجدها تشمل تبادل الخبرات والتدريب والتعليم وتبادل المعلومات والتكنولوجيا والعديد من مجالات التعاون، وهناك أعمال سيقوم بها خبراء» بالتعاون مع قوات حكومة «الوفاق». وتابع أن الحكومة التركية حصلت على تفويض من البرلمان لإرسال جنود إلى ليبيا عند الضرورة، وهي من سيقرر كيفية وموعد تنفيذ مذكرة التفويض، ونطاق هذا الأمر، وستتضح التفاصيل في هذا الشأن خلال الأيام المقبلة.
وواصل جاويش أوغلو: «نعتقد أن الجنود المرتزقة لن يجلبوا السلام والاستقرار، فنحن هدفنا منذ البداية المساهمة في تحقيق وقف لإطلاق النار بأسرع وقت، وإحياء المسار السياسي وتسريعه… الحل الوحيد في ليبيا هو الحل السياسي». واعتبر أنه لا يمكن لأي طرف في الحرب الداخلية الليبية أن يحقق النصر، وأن هذه الحرب ستطول إذا لم يتم إيقافها.
واعتبر جاويش أوغلو أن «الجيش الوطني» بقيادة المشير حفتر يتفوق من ناحية القوة الجوية على قوات «الوفاق»، لكنه شدد على ضرورة أن يدرك الجميع أنه «لا منتصر» في الحرب الليبية، وأنها يمكن أن تطول كثيراً «إذا لم نوقفها».
وأشار إلى قصف الكلية العسكرية في طرابلس، السبت الماضي، قائلاً: «مثل هذه الغارات قد تفتح الطريق لتطورات تؤدي إلى انقسام ليبيا».
وعن مذكرة التفاهم المبرمة مع حكومة السراج بشأن تحديد مناطق السيادة في البحر المتوسط، قال جاويش أوغلو إن بلاده عملت على «تغيير التوازنات» في المتوسط عبر المذكرة، و«إفساد محاولات عزل تركيا على المستويين الثنائي والثلاثي».
وكان إردوغان قد قال، في مقابلة تلفزيوينة ليلة الأحد – الاثنين، إن قوات من الجيش التركي بدأت بالفعل التوجه تدريجياً إلى ليبيا، مشيراً إلى أن بلاده ستقيم مركز عمليات في ليبيا بقيادة ضابط كبير برتبة «فريق» من الجيش التركي. وأضاف: «ستكون لدينا فرق أخرى مختلفة كقوة محاربة، وأفرادها ليسوا من جنودنا».
كانت تقارير قد أشارت إلى أن الخطة التركية لإرسال قوات إلى ليبيا تتضمن في مرحلتها الأولى إرسال ما بين 150 و200 من عناصر القوات المسلحة والمخابرات والمستشارين الفنيين.
واعتبر إردوغان أن هدف الوجود العسكري التركي في ليبيا لن يكون القتال، وإنما للحيلولة دون وقوع أحداث من شأنها التسبب بمآسٍ إنسانية وتقويض الاستقرار في المنطقة، وذلك عبر دعم الحكومة «الشرعية»، وهي من وجهة نظره حكومة السراج.
في الوقت ذاته، قال إردوغان إن تركيا تمتلك أطول شريط ساحلي على البحر المتوسط، وإن مذكرة التفاهم مع السراج حول تحديد مناطق السيادة في البحر المتوسط أفشلت خطط اليونان وقبرص الرامية لـ«حبس تركيا في منطقة ضيقة جداً» في البحر المتوسط.
وعن فحوى مباحثاته مع رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس، على هامش قمة الناتو الأخيرة، في لندن، قال إردوغان: «ذكر لي رئيس الوزراء اليوناني أن توقيعكم اتفاقية مع حكومة السراج في ليبيا غير قانوني، فقلت له إنْ كنت تدّعي ذلك فابحث عن الطرق القانونية واعمل على حل هذه المسألة، نحن أبرمنا اتفاقاً مع حكومة شرعية بينما أنتم تتعاملون مع حفتر الذي لا يملك أي شرعية». وتابع إردوغان في تصعيد للهجته ضد قائد «الجيش الوطني» الليبي: «حفتر يوجد في ليبيا حالياً بصفة انقلابي، وعلى الأطراف المعنية بالمتوسط وليبيا قبول هذه الحقيقة».
وقال إردوغان، في تصريحات أمس، إن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء المتغيرات الإقليمية والعالمية في المنطقة. وأضاف، في كلمة له خلال مشاركته بافتتاح المبنى الجديد للمخابرات التركية في أنقرة: «لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء المشهد المعقد والمتغير الناجم عن تنافس القوى الإقليمية والعالمية في منطقتنا… التحالفات الإقليمية القائمة ضد بلادنا في شرق المتوسط تستحوذ على أهمية كبيرة في مستقبل تركيا القريب».
في الإطار ذاته، بحث إردوغان في اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس، التطورات فيما يتعلق بليبيا والاتفاقات الموقعة مع السراج وإرسال تركيا قوات لدعمه.
في غضون ذلك، تستضيف القاهرة، غداً (الأربعاء)، اجتماعاً تنسيقياً وزارياً يضم وزراء خارجية مصر وفرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص، لبحث مُجمل التطورات المُتسارعة على المشهد الليبي والتدخلات التركية فيه.
وحسب بيان أصدرته الخارجية المصرية، أمس، فإن الوزير سامح شكري ونظراءه الأوروبيين سيبحثون «سُبل دفع جهود التوصل إلى تسوية شاملة تتناول كافة أوجه الأزمة الليبية، والتصدي إلى كل ما من شأنه عرقلة تلك الجهود؛ بالإضافة إلى التباحث حول مُجمل الأوضاع في منطقة شرق البحر المتوسط».
يأتي الاجتماع الخماسي، بعدما أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أول من أمس، بدء نشر جنود أتراك في ليبيا، لدعم حكومة «الوفاق» في طرابلس.