وثيقة «مبادئ تشرين» تدعو المكونات العراقية إلى التضامن لإنقاذ البلاد

رغم الخلافات القائمة بين الاتجاهات الممثلة والقريبة من «حراك تشرين» الاحتجاجي، فإن غالبية تلك الاتجاهات تلتقي عند إدانة النظام السياسي القائم، واتهامه بالفساد والطائفية، وتشدد على ضرورة إحداث تغيير جذري فيه. وصدر، أمس، بمسارين متوازيين، موقفان عن جماعات الحراك، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة لانطلاق الاحتجاجات في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، واستمرت لأكثر من عام، سقط خلالها أكثر من 700 قتيل، وأصيب أكثر من 20 ألف متظاهر.
في المسار الأول، أصدرت شخصيات وتنسيقيات تشرينية ما سمتها «وثيقة مبادئ تشرين»، ورأت أن البلاد لا يمكن أن تتقدم بوجود أحزاب طائفية وقومية متطرفة في السلطة، وفي الثاني عقدت «اللجنة المركزية للانتخابات» مؤتمراً صحافياً أعلنت فيه رفضها التام لحكومة «الإطار التنسيقي» المزمع تشكيلها، برئاسة مرشحها محمد شياع السوداني المكلف تشكيل الحكومة.
وبين هذين المسارين، ثمة اتجاهات أخرى، يدعو بعضها إلى إحياء الذكرى الثالثة وبزخم أكبر، وهناك من يرفض ذلك بذريعة تفويت الفرصة على الأحزاب النافذة لاستثمار ذلك في تصفية خصوماتها مع بقية الأحزاب المنافسة.
وبحسب «وثيقة مبادئ تشرين» التي صدرت، فإنها «توجز منطلقاتنا العامة للتغيير الشامل من دولة الفساد والسلاح السياسي والطائفية والعنصرية والتهميش إلى دولة الأمن والمواطنة والديمقراطية والعدالة والرفاهية»، بحسب الموقعين عليها الذين شددوا على ضرورة تكاتف كافة أبناء الشعب من العرب والكرد والتركمان والسريان والإيزيديين والمندائيين لإنقاذ البلاد وفق المبادئ التي سطروها في وثيقتهم.
ويبدو أن الموقعين على الوثيقة ارتأوا البدء بعبارة أن «الشخص الذي هو أكبر من العراق غير موجود، ولن يوجد». في رد ضمني على صفة «التقديس» الشائعة التي تطلقها الجماعات السياسية وشبكات المصالح على كل من هبَّ ودبَّ من المشتغلين في المجال السياسي في السنوات الأخيرة.
وفي البند الثاني من الوثيقة، ورد أن «العراق ليس للبيع والاحتلال وتحكّم الدول والصراعات بكلّ أشكالها. هو وطن السيادة والسلام والحياة والكرامة والعلاقات الدولية المتكافئة»، في إشارة ضمنية أخرى إلى رفض التبعية والنفوذ الأجنبي المتنامي الذي كسرته أحزاب السلطة وميليشياتها.
ورأى الموقعون استحالة أن «تقوم للعراق قائمة بوجود الأحزاب الطائفية والقومية المتطرّفة في السلطة. وجودها تمزيق لفكرة الوطن، ويستحيل في ظل حكمها تأسيس هوية جامعة للعراقيين، لا دولة ولا استقرار ولا ازدهار من دون عمل سياسي آمن. لا بدّ من تجريد الأحزاب والقوى السياسية من السلاح، وتخليص المؤسسات الأمنيّة من تحكّم السياسيين، وإنهاء الميليشيات والمافيات».
وتطرقت الوثيقة إلى الفساد وضرورة وجود ادعاء عام حر وقوي، إلى جانب رفضها «ديمقراطية المحاصصة وحكم الطوائف وتسييس الهويات الدينية والمذهبية والقومية».
وطالب الموقعون بـ«الدستور الواضح، الضامن للاستقرار، والقدرة الدائمة على تعديله، ودولة المواطنة والمؤسسات والحريّات والعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات، دولة الديمقراطيّة العادلة، وليست دولة الأبوة المفروضة على الشعب، ونريد مجتمع احترام المعتقدات المختلفة».
وتحدثت الوثيقة عن أن «الإرهاب والفساد كلّ منهما ينبع من الآخر. يجب مواجهة الفساد كما يجب مواجهة الإرهاب. ويجب حماية المواجهين للفساد كما يجب حماية المواجهين للإرهاب».
وإلى جانب إشارة الوثيقة إلى مجمل نواحي الخلل في العراق، وضمنها الاقتصادية والتعليمية والخدمية، ذكرت أنه «لا عدالة في العراق ما لم يتم الكشف والمحاسبة بحق منفذي الجرائم السياسية والإرهابية، ومَن يقف وراءهم قبل 2003 وبعده إلى الآن والمستقبل، وفي مقدمتها اغتيالات الناشطين وقتل المتظاهرين وتغييبهم».
وختم الموقعون وثيقتهم بالقول إن «الدولة التي هي أهم عند أي عراقي من العراق غير موجودة، ولن توجد». في إشارة إلى الولاءات الخارجية المعلنة لمعظم أحزاب وقوى السلطة.
وفي المسار الثاني، أكد بيان «اللجنة المركزية للتظاهرات» على «رفض تشكيل حكومة الإطار التوافقية بنهج المحاصصة وتقسيم المغانم، وطالب برحيل سياسيي الفساد والقتل والسرقات، إلى المطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني من النخب والكفاءات، وتغيير الدستور وتحديد موعد انتخابات جديدة».
ووجهت اللجنة انتقادات لاذعة لبعض النواب المستقلين الذي فضلوا التحالف مع قوى «الإطار التنسيقي».
واستهجنت ما وصفته بـ«الدعم الدولي والإقليمي المؤيد لتشكيل حكومة إطارية مبنية على المحاصصة».
ولوحت «لجنة التظاهرات» بـ«الاستمرار في الاحتجاج، وتحديد يوم 25 تشرين (أكتوبر)، موعداً لمظاهرات حاشدة في جميع المحافظات».
ورغم التأييد الذي حصلت عليه «وثيقة مبادي تشرين»، من اتجاهات غير قليلة في «الحراك»، فإن ملاحظات واعتراضات من اتجاهات أخرى سُجلت عليها، وقام الناشط وأحد الفاعلين في كتابة بنودها، الأكاديمي فارس حرام، بالرد عليها قائلاً إنه «لا يمكن بلوغ نص نهائي يرضي الجميع. المهم أن الشباب الذين أنجزوها أيقظوا في النفوس أهمية أن تكون لـ(تشرين) وثيقة تمثل مبادئها، التي هي بشكل ما (دستور الاحتجاج)».
ورأى حرام أنه «من الطبيعي ألا يتفاعل البعض معها من وحي (الشيء الذي لا يشاركني فيه أحد بشكل مسبق لا يهمني)، نتمنى منه أن يراجع نفسه، لأن تمزق (تشرين) أضرنا جميعاً، وطبيعي أيضاً أن تتجاهل القوى الحاكمة والأحزاب المسلحة هذه الوثيقة، لأنها أصلاً تستهدف جرائمهم وأسلوبهم في العمل السياسي».
ويعتقد حرام أن الوثيقة «ستقاس بموقعها التاريخي يوماً ما».
وبالنظر لحالة التكالب على الوزارات ومؤسسات الدولة الرسمية في الحكومة الحالية، والحديث واسع الانتشار عن عمليات بيع وشراء فاحشة للمناصب الوزارية، يتوقع كثير من المراقبين أن تشهد البلاد شتاءً قاسياً على الطبقة السياسية، عبر انطلاق موجة مظاهرات واحتجاجات واسعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net