منصب رئيس جمهورية العراق… بين التصلب الكردي والخصام الشيعي

طبقاً للأنباء التي جرى تداولها منذ يومين، فإن اجتماعاً سوف يعقد بين زعماء التحالف الثلاثي (مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي)، اليوم الاثنين، لمناقشة أهم «المستجدات السياسية». ومع أن لقاء من هذا النوع يتطلب ترتيبات بروتوكولية معقدة نسبياً بشأن مكان الانعقاد، فإنه في حال حصل إما يمثل بارزاني في مستوى الحضور رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، ويعقد في هذه الحالة بمقر الصدر في الحنانة بمدينة النجف. وفي حال شارك مسعود بارزاني شخصياً في اللقاء، فإنه لن يعقد في مقر بارزاني بأربيل، لتعذر ذهاب شخصية دينية مثل الصدر إلى هناك لأسباب تتعلق بالرمزية الدينية لزعيم التيار الصدري، بل ربما يعقد في بغداد. أما رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، سواء بحكم سنه أو موقعه، فليست لديه مشكلة في الحضور والبروتوكول.
لا أحد يعرف جدول أعمال هذا اللقاء، بعد نشر خبر يتيم، في ظل صمت أطراف التحالف، لكنه في المحصلة النهائية يبدو تعبيراً من تلك الأطراف عن أن تحالفهم صامد بوجه التحديات غير المتوقعة التي واجهته خلال الفترة الماضية، والتي كانت المحكمة الاتحادية العليا طرفاً رئيساً فيها مرتين. المرة الأولى كونها محكمة تصدر أحكاماً قضائية باتة وملزمة لكل السلطات، وهو ما يجعل المتضرر ليس أمامه سوى طريق واحدة، وهو «أن يكظم غيظه ويصبر ويحتسب حتى وإن شغل أرفع منصب تنفيذي في الدولة»، كما قال هوشيار زيباري المرشح المستبعد من التنافس على منصب رئيس الجمهورية في مقاله الذي كتبه هنا في «الشرق الأوسط»، أمس الأحد، مستعيناً بتغريدة سابقة لرئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي، الذي كتب قائلاً في وقتها: «أين تشتكي حبة القمح حين يكون القاضي دجاجة؟». لكن استبعاد زيباري وما تلاه بعد بضعة أيام من قرار صادم آخر لأحد أركان التحالف الثلاثي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) ومن قبل المحكمة الاتحادية نفسها، الذي يتعلق بعدم دستورية بيع كردستان للنفط جعل وضع التحالف، حتى وإن ازداد تصلباً طبقاً لما يقوله المقربون منه والقياديون فيه، في غاية الصعوبة.
فمن جهة أدى استبعاد زيباري إلى اضطرار رئاسة البرلمان إلى فتح باب الترشيح ثانياً لمنصب رئيس الجمهورية لكي يتاح للديمقراطي ترشيح البديل لزيباري. ومع أن بارزاني رشح شخصاً آخر (من العائلة البارزانية) لم يكن متوقعاً بالقياس إلى أسماء كانت متداولة لخلافة زيباري في التنافس، مثل فؤاد حسين (وزير الخارجية) أو فاضل ميراني (سكرتير الحزب الديمقراطي)، فإن الخصوم كانوا بالمرصاد كذلك. ففي اللحظة التي فتح فيها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، باب الترشح كان النائب باسم خشان يقف أمام بوابة المحكمة الاتحادية العليا ذاتها مقدماً طعناً بعدم دستورية فتح باب الترشح ثانية. المعلومات التي توفرت لدى «الشرق الأوسط» من مصادر مختلفة، أن المحكمة ستبت الأربعاء بالطعن. والمعلومات نفسها ومن عدد من خبراء القانون تؤكد أن قرار المحكمة سوف يكون بنسبة كبيرة جداً ضد مبدأ فتح باب الترشح، وهو ما يعني عدم قبول ترشيح ريبر أحمد بارزاني، بديل زيباري.
وطبقاً لما يجري تداوله في الأروقة السياسية وفي أوساط النخبة، فإن المشكلة التي تواجه التحالف الثلاثي تتمثل في عدم القدرة على تمرير مرشحه لرئاسة الجمهورية، ريبر أحمد بارزاني، بسبب عدم قدرة أحد أركانه، وهو مسعود بارزاني، تحقيق مبدأ الثلثين للتصويت عليه. فاستناداً لما تحدث به لـ«الشرق الأوسط» سياسي عراقي، فإن «مبادرة بارزاني التي حملها إلى زعيم التيار الصدري نيجيرفان بارزاني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي كانت محاولة لكسر الجليد مرتين… مرة بين الصدر والمالكي ومرة من أجل تفكيك الإطار التنسيقي»، مبيناً أن «المبادرة كانت تتضمن القبول بالمالكي ومنحه منصب نائب رئيس الجمهورية، لكن تصلب الصدر الحاد حيال المالكي أدى إلى موت المبادرة».
ومع أن كل السيناريوهات تبدو معقدة للأيام المقبلة، فإنه في حال تم خروج مرشح الحزب الديمقراطي من عنق زجاجة المحكمة الاتحادية، فمن أين يحصل التحالف الذي يوصف بأنه متماسك بأغلبية الثلثين. في مقابل ذلك فإن تحالف الخصوم (الإطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني) ومرشحهم الرئيس الحالي برهم صالح، فإنهم، وإن كانوا ليسوا متماسكين لأنهم ليسوا تحالفاً رسمياً وموثقاً، سوف يواجهون المشكلة نفسها، وهي كيفية الحصول على أغلبية الثلثين.
وبالقياس إلى ما يبدو خصاماً شيعياً – شيعياً وتصلباً كردياً – كردياً، وفي ظل عدم إمكانية التوافق بين الطرفين، فإن الأزمة قابلة للاستمرار مع ولادة أزمات أخرى. فالخصام ليس بين كل الشيعة وكل الكرد، بل بين قسم من الشيعة وقسم من الكرد. والتصلب هو ليس بين كل الكرد وكل الشيعة، بل بين قسم من الكرد رافضين لبعضهم البعض، مع قسم من الشيعة لا يقبلون بهم.
في ظل هذا الوضع هناك من يرى أن الكتل السياسية التي وصلت إلى الحافة الحرجة من الصدام ربما تطرق ثانية باب المحكمة الاتحادية التي لم تعد من وجهة نظر بعض خبراء القانون تفسر الدستور، بل تؤسس لأعراف دستورية جديدة علها تنجدهم بنص دستوري يمكن أن يستفيد منه طرف لتمشية مرشحه، وهو ما يكفيهم شر القتال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net