الأزمة الليبية من «حرب طرابلس» إلى «محطة تونس»

رغم أن الأزمة الليبية ممتدة منذ إسقاط نظام الراحل معمر القذافي في عام 2011. فإن الأعوام التسعة الماضية شهدت فترات عصيبة زادت الوضع السياسي تعقيداً وتأزماً، لعل أخطرها، بحسب المراقبين، حرب طرابلس التي اندلعت في 4 أبريل (نيسان) 2019.
ومنذ ذلك التاريخ الذي اختلطت فيه الأوراق، مرت ليبيا بمحطات عدة، إلى أن وصل ملف الأزمة إلى محطة منتدى الحوار السياسي في تونس، الذي تأجلت أعماله من دون اتفاق المشاركين على أسماء المرشحين لرئاسة المجلس الرئاسي، أو الحكومة الموحدة، لكنهم توافقوا على جولة ثانية الأسبوع المقبل لبحث باقي الترتيبات.
وقبل 19 شهراً، أطلق القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر، عملية عسكرية على طرابلس قال حينها إنها تستهدف «الجماعات الإرهابية، والمسلحة» هناك. لكن الأعمال القتالية التي تصدت لها قوات حكومة «الوفاق» أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف، إضافة إلى نزوح عشرات الآلاف.
وتزامن اندلاع الاقتتال بين القوتين مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى ليبيا، قبل أيام من انعقاد «الملتقى الوطني الجامع» الذي أعدت له البعثة الأممية برئاسة المبعوث الأممي السابق غسان سلامة في مدينة غدامس، سعياً لوضع خريطة طريق سياسية لإخراج البلاد من أزمتها.
وبعد 3 أيام من تحرك قوات «الجيش الوطني» من شرق البلاد إلى غربها، أعلنت حكومة «الوفاق» بدء «هجوم مضاد» على قوات الجيش في جنوب العاصمة. وطوال 13 شهراً من الاقتتال الدامي، جرت مفاوضات عدة لوقف الحرب التي ألحقت أضراراً بالغة بالمدنيين في العاصمة، لكنها تواصلت إلى أن تمكنت قوات «الوفاق» والقوى المساندة لها في 26 يونيو (حزيران) من السيطرة على مدينة غريان، القاعدة الخلفية الرئيسية لـ«الجيش الوطني» على بعد نحو 100 كيلومتر إلى الجنوب الغربي من طرابلس. في هذه الأثناء، تحدثت «الوفاق»، بالإضافة إلى تقارير صحافية أميركية في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) عن أن شركة أمنية روسية خاصة أرسلت نحو 200 من عناصر «فاغنر» لدعم قوات «الجيش الوطني»، لكن موسكو نفت ذلك، وقالت إنه لا يوجد لها أي جنود على الأراضي الليبية.
ومع احتدام الاقتتال على جبهات عدة، لجأت حكومة «الوفاق» إلى تركيا طلباً للدعم. وفي 27 من الشهر ذاته، وقّع فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي مذكرتي تفاهم حول الحدود البحرية والتعاون الأمني مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وبعد نحو 6 أشهر على اندلاع الاقتتال، اتّهم تقرير للأمم المتحدة شركات ودولاً عدة بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ 2011 عبر إرسال أسلحة ومقاتلين إلى الطرفين. وذكر التقرير في ديسمبر (كانون الأول) تركيا الداعمة لحكومة «الوفاق»، إضافة إلى دول قال إنها داعمة لـ«الجيش الوطني».
غير أن إردوغان أعلن مع مطلع العام الحالي بدء نشر عسكريين في ليبيا بعد موافقة البرلمان التركي على ذلك. وفي 12 يناير (كانون الثاني) اتفقت أنقرة وموسكو، على هدنة لوقف الحرب، لكن حفتر رفض توقيع اتفاق رسمي لوقف إطلاق النار. وفي 18 و19 من الشهر ذاته، التزمت الدول المعنية بالملف الليبي خلال اجتماعها في مؤتمر برلين بعدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، واحترام حظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن على البلاد منذ إسقاط القذافي.
وتحدث تقرير لخبراء الأمم المتحدة مطلع مايو (أيار) عن أن في ليبيا «مرتزقة» من شركة «فاغنر» الروسية التي يقال إنها قريبة من الكرملين، وكشف أيضاً وجود مرتزقة سوريين داعمين لحفتر، بعد أيام من ذلك. وفي فبراير (شباط) أكدت تركيا أنها أرسلت «فنيين» إلى ليبيا لدعم «الوفاق».
وسيطرت قوات موالية لحكومة «الوفاق» في 18 مايو على قاعدة الوطية الجوية (140 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة)، ثم سيطرت على 3 معسكرات جنوب طرابلس، ما مثل انتكاسات جديدة لقوات «الجيش الوطني» بعد خسارتها مدناً ساحلية عدة غرب البلاد منتصف أبريل الماضي.
ومع مطلع يونيو، سيطرت قوات «الوفاق» عقب معارك دامية على مطار طرابلس الدولي الخارج عن الخدمة منذ 2014. ثم على كامل الحدود الإدارية لطرابلس الكبيرة. وفي اليوم التالي، أطلقت القوات ذاتها عملية لاستعادة مدينة سرت الاستراتيجية بين الشرق والغرب.
وفي 20 يونيو، حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من «تدخل مباشر» للقوات المصرية في ليبيا، معلناً أن خط سرت – الجفرة «خط أحمر». وفي 21 أغسطس (آب) أعلنت السلطتان المتنازعتان، كل على حدة، تنظيم انتخابات مقبلة في البلاد ووقفاً فورياً لإطلاق النار.
غير أن شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان فارقاً في الاتجاه بالأزمة الليبية نحو الحل، ففيه أعلن ممثلو طرفي النزاع في ختام جولة ثانية من الحوار في المغرب أنّهما توصّلا إلى «تفاهمات شاملة» لتوحيد مؤسسات البلاد. كما اتفق الطرفان على عودة إنتاج النفط، وفي 23 من الشهر ذاته، وقّعت اللجنة العسكرية المشتركة في جنيف برعاية أممية، اتفاقاً يقضي بوقف دائم للحرب.
وفي 16 من الشهر الحالي، اختتم الأفرقاء الليبيون اجتماعهم في تونس، الذي دام 7 أيام، بعد أن توصلوا إلى نقاط عدة، وُصفت بالإيجابية، أهمها تحديد موعد للانتخابات العامة في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، وسط انقسام بين الليبيين حول إخفاق المنتدى في حل معضلة تشكيل حكومة ومجلس رئاسي جديدين، لكن الجميع ينشد الاستقرار في الجولة الثانية من اللقاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net