جدل عراقي ينذر بعرقلة إقرار «المحكمة الاتحادية»

على الرغم من العقبات الجدية التي تواجه البرلمان العراقي، فإنه يجد نفسه مضطراً لإكمال التصويت على البنود الستة المتبقية من قانون المحكمة الاتحادية، فمن دون ذلك لا يمكن الحديث عن إجراء الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ذلك أن المحكمة الاتحادية مسؤولة حصرياً بنص الدستور الدائم للبلاد عن المصادقة على نتائج الانتخابات، إلى جانب مسؤوليات أخرى، ضمنها الحكم في النزاعات القانونية بين الحكومة والأقاليم والمحافظات.
وفقدت المحكمة الاتحادية شرعيتها منذ أشهر طويلة نتيجة اختلال نصاب أعضائها التسعة بعد وفاة وإحالة بعضهم إلى التقاعد. وبعد تصويت البرلمان على نحو 18 مادة من مشروع قانون المحكمة الأسبوع الماضي، بقى أمامه تخطي حاجز التصويت الصعب على المواد الست المتبقية التي تمثل الأساس المتين الذي يستند إليه الفرقاء السياسيين في القانون، ما يعني اضطرار الحكومة إلى تأجيل موعد الانتخابات العامة مدة ستة أشهر إضافية.
وإذا كانت الاعتراضات والخلافات بين القوى السياسية بشأن القانون تتعلق في معظمها بقضية التمثيل في مجلس أعضاء المحكمة والتحاصص المعتاد، إلى جانب «الفقهاء، وليس خبراء الفقه» الذين ترغب القوى الشيعية في عضويتهم داخل المحكمة، وإعطائهم حق النقض على القوانين المخالفة للشريعة، فإن طيفاً واسعاً من القوى المدنية وجماعات الحراك يسجل اعتراضات شديدة على وجود «رجال دين – فقهاء» ضمن أعضاء المحكمة، ويخشون أن يطيح ذلك بالاتجاه المدني الديمقراطي المفترض للدولة العراقية، وتحويلها إلى دولة دينية. وقد صدرت دعوات غير قليلة من جماعات الحراك هذا الأيام للتصدي للقانون.
ويرى الناشط النجفي علي السنبلي أن مواد القانون في نسخته الجديدة «تؤسس لديكتاتورية إسلامية يحاولون من خلالها اختراق المؤسسة القضائية التي يجب أن تكون مستقلة بحسب الدستور». وأضاف عبر مدونته في «فيسبوك» أن «الموضوع خطير، والسكوت عليهم سيعطيهم شرعية».
وأدرج البرلمان العراقي، أمس (الاثنين)، المواد الست المتبقية من القانون للتصويت عليها، غير أن مصادر نيابية تستبعد التوصل إلى صيغة اتفاق نهائي، لكنها تقول إن «رؤساء الكتل السياسية اتفقوا في اجتماعهم الأخير مع رئاسة المجلس واللجنة القانونية على تمرير 4 مواد خلافية من أصل 6 في القانون».
وبدوره، يرى القاضي رئيس النزاهة الأسبق رحيم العكيلي أن «مجلس النواب لم يتمكن واقعياً من التقدم خطوة واحدة في إقرار قانون المحكمة الاتحادية العليا، على الرغم من تصويته على 18 من أصل 24 مادة، هي مجموع مواد القانون، لأن الخلافات التي منعت تشريع هذا القانون منذ عام 2005 هي مضمون المواد الست التي عجز مجلس النواب عن إمرارها حتى الآن».
ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المواد محل الاختلاف تتمثل بـ«عدد أعضاء المحكمة من كل صنف من أصنافها الثلاث (قضاة، خبراء فقه إسلامي، فقهاء قانون)، وآلية وجهات ترشيح أعضاء المحكمة، إلى جانب مدة خدمة أعضاء المحكمة، وراتب ومكانة رئيس المحكمة، ومكانته البروتوكولية»، موضحاً أنه «لدينا أيضاً وزن أصوات أعضاء المحكمة، ونصاب صدور قراراتها، إضافة إلى مسألة استمرار رئيس المحكمة الحالي ونائبه».
ويرى العكيلي أن «الشيطان كان يكمن في تلك النقاط الخلافية الست على مر السنوات الستة عشرة السابقة التي تعذر بسببها إمرار القانون»، وأشار إلى أن «المقترحات المطروحة لمعالجة تلك النقاط إنما تقوم على المحاصصة المعهودة، وضمان غنائم الطوائف والمكونات المسيطرة في تلك المحكمة، وترتيب الأوليات لضمان سيطرة جهة معينة على صنع القرار داخل المحكمة، بينما يحاول آخرون انتزاع مكان لهم يمكنهم من التأثير في صنع القرار فيها».
ويعتقد العكيلي أن «قضية (التوازن)، وليس المهنية ولا الخبرة ولا التخصص ولا النزاهة ولا الهوية العراقية، هي المتحكمة في تحديد أعضاء المحكمة، ويسعى رأي برلماني قوي إلى فرض سلطة رجال الدين في المحكمة، من خلال منحهم حق (الفيتو) على قراراتها، بحجة منع إصدار قانون يخالف ثوابت أحكام الإسلام، ومن شأن ذلك أن يكون أهم المطاعن القاتلة في صدر الدولة المدنية ودولة المواطنة التي ينتظر منها الناس حماية واحترام تابعي جميع الأديان والطوائف، دون أن يفرض رأي دين أو طائفة ما على الآخرين».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
© Copyright 2024, All Rights Reserved, by Ta4a.net